اخر الاخبار

14‏/05‏/2011

التيار الأساسى المصرى/بقلم معتز بالله عبد الفتاح

motazbellah abdelfattah


يستند التيار الأساسى لبلد ما إلى أكبر قاسم مشترك بين التيارات السياسية والاجتماعية والثقافية فى هذا البلد، ويعنى الملامح العامة المتضمنة فى أطروحات تيارات عديدة ومتنوعة. وهذه الملامح تختزل ما تتفق عليه هذه التيارات فى سياق تعاملها مع متطلبات المرحلة التاريخية». هذه هى كلمات المقدمة لكتيب نشره المستشار طارق البشرى منذ ثمانى سنوات تقريبا بعنوان: «نحو تيار أساسى للأمة».



ويشير المستشار البشرى إلى أن خريطة التيارات السياسية فى مصر خلال آخر ثمانين سنة هى أربعة تيارات بالأساس: التيار الإسلامى والتيار القومى والتيار الليبرالى والتيار الاشتراكى. والملاحظ هنا أن فى فترات سابقة كانت المرجعيات مختلفة ومتناقضة أحيانا لكنها لم تطمس أهدافا عامة وقواسم مشتركة مثل مقاومة الاستعمار والتنمية. ولكن يبدو أن انفصالا حدث بين الفكر وبين الإصلاح المؤسسى، وبين تيارين فكريين كبيرين: الإسلامى الذى سيطر على الشارع لحد بعيد، وغيره الذى سيطر على مؤسسات الدولة لحد بعيد. وبما أننا الآن بصدد لحظة فارقة سيحدد فيها رجل الشارع القابضين على مؤسسات الدولة، فسنكون علينا أن نفكر على نحو مختلف كاستجابة لمتطلبات مرحلة ما بعد الثورة. ولكن المتأمل للمشهد السياسى فى مصر يجد ظاهرتين: تكرار نفس المصطلحات من قبل كل القوى السياسية (مثل المدنية والمواطنة والديمقراطية)، وحالة من القلق والتوتر والتوجس والتى يبدو معها وكأن معظم الناس تخشى من أن تكون هذه الكلمات غير ذات دلالة. لذلك لا بد من التحرك على مستويين: مستوى الاتفاق على المبادئ العامة للمجتمع من خلال تيار رئيسى مصرى يتوافق على حد من مبادئ ثم مستوى إجرائى من خلال وضع هذه المبادئ فى الدستور ووضع ضمانات لحماية هذه المبادئ من خلال المحكمة الدستورية العليا مع تفعيل حقها فى الاستعانة بمن ترى من المؤسسات الأخرى لحماية الدستور ممن قد لا يحترم مبادئه. ولنبدأ فى الاتفاق على المبادئ التى أتصور أن تكون الحد الأدنى من ملامح مستقبلنا.

•••

أولا: قاعدة العدالة: نريدها دولة عادلة، والعدالة تعنى المساواة المبدئية بين الجميع أمام القانون بغض النظر عن التفاوت فى الدخول والاختلاف فى الديانة أو النوع (ذكر أم أنثى). ولكن هذه المساواة لا ينبغى أن تكون عمياء وإنما لابد أن تسمح بالتفاوت بين المواطنين على أساس المجهود والمواهب (فلا يستوى الذين يعملون والذين لا يعملون) من ناحية وعلى أساس الاحتياجات (فلا يستوى من يريد المال كى يغير اليخت ومن يريد المال كى يشترى دواء لابنته ولا يجده).

ثانيا: نريدها دولة ديمقراطية (كتطبيق معاصر للشورى الموجودة قبل الإسلام والتى حض عليها الإسلام): حتى نضمن ألا تستبد الأقلية الحاكمة بالأغلبية المحكومة. وهو ما يقتضى بالضرورة أن تكون بنية النظام السياسى قائمة على مقولة: «علينا أن نصنع الدولة، ولكن علينا نحن من يحكمها أن نكون أول من يلتزم بقوانينها التى تعبر عن مصالح وأصوات أغلب مواطنيها»، كما ذهب جيمس ماديسون الرئيس الرابع للولايات المتحدة.

ثالثا: نريدها دولة ليبرالية سياسيا (أى متسامحة سياسيا مع الأقليات، ولا مشاحة فى اللفظ) حتى نضمن ألا تستبد الأغلبية من مواطنيها بالأقلية العددية. فكما حمينا الأغلبية من استبداد الأقلية بالديمقراطية، لابد أن نحمى الأقلية من استبداد الأغلبية بالليبرالية. فهناك حقوق ملازمة للمواطنين المصريين حتى وإن كانت ليست على هوى الأغلبية مثل حق المواطن فى اختيار دينه وفى ألا يفرق بين المواطنين أمام القضاء على أساس النوع أو الدين.

رابعا: نريدها دولة تنموية (أى دولة قادرة على الاستفادة من طاقات أبنائها الاقتصادية فى مواجهة التخلف والفقر). وهذه الخاصية التنموية تقتضى أن تكون الدولة قادرة على التنمية المستدامة والشاملة ويكفى الإشارة إلى أن مصر وتركيا كانتا عند نفس مستوى الناتج القومى تقريبا من 10 سنوات، أما الآن فالناتج المحلى الإجمالى التركى أصبح ثلاثة أمثال نظيره المصرى بما يعكس التفاوت فى الموارد الطبيعية وكذلك القدرة على الاستفادة منها. وكى تتحقق هذه الدولة التنموية فإن «الأفضل لا بد أن يتقدم» فى كل مجال بغض النظر عن النوع والديانة والسن.

خامسا: نريدها دولة مدنية تحترم ثوابت الأديان وتحترم داخلها «مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع» ولكنها فى نفس الوقت تلتزم بالضوابط التى تضمن ألا يتحول الدين إلى أداة تحزب واستقطاب وتنازع. فلا يوجد حزب أو جماعة تتحدث باسم الدين (أى دين)، وإنما تحترم كل الأحزاب، كل الأديان، وتسعى للعمل بمبادئها السامية التى تؤكد على معانى العدل والقسط وتكريم الإنسان فى مناخ من التراحم والتواد والتعايش.

•••
إذا توافقت أغلبيتنا الواضحة (وحتى وإن لم نتفق تماما وإجماعا) على أن مصر التى نريد هى دولة عادلة، وديمقراطية، ومتسامحة، وتنموية، ومدنية وترجمنا هذه الخصائص إلى قواعد دستورية وقانونية يراقبها القضاء ويرصدها الرأى العام، إذن لا توجد مشكلة حتى لو كان بيننا متطرفون هنا أو هناك. ويكفى أن أشير إلى أن عددا من مواطنى ولاية ميتشجان فى الولايات المتحدة يشكلون ميليشيات تطالب بتحرير الولاية مما يعتبرونه احتلالا من العاصمة واشنطن لهم. ولكن هؤلاء لا يعبرون بأى حال من الأحوال عن التيار الغالب فى الولايات المتحدة لأن هناك حدا أدنى من التوافق العام على قواعد عامة ينحرف عنها الأقلية ويعيش بها ولها ومعها الأغلبية الكاسحة.

إذن قبل أن نتحزب وننقسم دعونا نجتمع لنتفق كحزبيين وكقيادات للرأى العام وكمواطنين على إيجاد إجماع وطنى على هذه المجموعة من المبادئ الآمرة وأن نلتزم بها جميعا. هو اجتهاد فى وضع قواعد ما قبل الدولة (بافتراض أننا ننشئ دولة جديدة) وما فوق الدستور (بافتراض أننا بصدد دستور جديد)، وما هو مشترك بين جميع القوى الوطنية والحزبية (حتى لا يفقد المصريون روح مصر التى عادت لهم مع الثورة).

إذن لو تحزبنا قبل أن نتفق على القواعد الآمرة والجامعة لحياتنا السياسية، سنكون كمن استبدل مستبدا بمستبد، وأحل فرعونا بفرعون.

•••

المعضلة الآن أن هذا التيار الرئيسى أو الأساسى لم يزل أفكارا نبيلة ومبادئ فى أذهان الكثير منا، ولكنها لا تعكس رؤية متكاملة بشأن المستقبل. وهو ما يستدعى منا أن نضع مبادئنا الحاكمة على الورق وأن نتراضى عليها بالتوقيع الصريح. ولا بأس أن تتعدد الاجتهادات، ولكن المهم ألا نصل إلى مرحلة وضع الدستور إلا وقد اتفقنا على عدد من المبادئ التى لا يجوز الاتفاق مع مخالفتها، ولا يجوز التسامح مع تجاهلها. هذه هى مبادئ التيار الأساسى فى المجتمع المصرى الحديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق