اخر الاخبار

20‏/02‏/2011

المرحلة الانتقالية ــ الآليات والإجراءات قبل الأشخاص

amr hamzawy new
لست من هواة اختزال أزمات السياسة والمجتمع الجوهرية إلى فعل أشخاص بعينهم، كما أننى أشعر بريبة شديدة عندما يروج لأشخاص آخرين للتغلب على تلك الأزمات
.
أكتب هذا لأسجل اعتراضى على محاولات الكثيرين فى مصر اليوم ربط أزمات السلطوية والفساد التى عانينا منها طوال العقود الماضية فقط بفعل الرئيس السابق مبارك وأفراد أسرته والمقربين منهم وافتراض أن إخراجهم من الحياة السياسية والمجتمعية يكفى لبناء مصر الديمقراطية الشفافة المحاربة للفساد.
فهؤلاء يتجاهلون أن مؤسسات السلطوية، من أجهزة أمنية إلى إعلام حكومى مرورا بهيئات قضائية اعتاد بعضها الخضوع لإرادة الحاكم، هى التى مكنت لاستمرار مبارك وأسرته منذ 1981 ويتناسون أيضا أن منظومة الفساد المتكاملة التى صنعها نظام مبارك ورطت امتداداتها قطاعا معتبرا من المواطنين بأشكال مختلفة.
لن يتأتى التخلص من السلطوية والفساد فقط بإبعاد آل مبارك والمقربين منهم، ولن نصيب الكثير من التقدم إن نحن قصرنا فعلنا اليوم على الإصلاح الديمقراطى للسياقات الدستورية والقانونية وعلى التعقب القانونى لكبار الفاسدين

.
فالديمقراطية والشفافية ومحاربة الفساد لا تستقر فى الحياة السياسية والمجتمعية إلا عبر صناعة طويلة المدى جوهرها إعادة البناء والإصلاح المؤسسى على نحو يسمح بقيام حكم القانون ويضمن التوازن والرقابة المتبادلة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويطبق باتساق مبادئ الرقابة والمساءلة والمحاسبة القانونية والسياسية على المسئولين ويحمى حقوق المواطن وحرياته. يتعين علينا إذا، قوى وطنية ومجتمع مدنى ونشطاء ومفكرين، أن نعى حقيقة أن السلطوية والفساد لم ينتهيا بإبعاد آل مبارك وإن سجن بعض رموز القمع والفساد وعزل البعض الآخر عن مناصبهم العامة، على أهمية الأمرين، لا يغيران من ذلك شيئا. علينا أيضا أن نخبر المواطنين والرأى العام أن الخروج من السلطوية والفساد يستدعى متابعتهم الجادة لآليات وإجراءات إعادة البناء والإصلاح المؤسسى والامتناع عن المبالغة فى نشوة الانتصار بعد تنحى مبارك.
أكتب هذا أيضا لأسجل اعتراضا إضافيا يطال بالأساس محاولات البعض اختزال النقاش المهم والمعقد حول المرحلة الانتقالية إلى تداول لأسماء لمرشحين محتملين للرئاسة والعمد إلى خلق انطباعات لدى المصريين مؤداها أن هذا المرشح أو ذاك هو القادر على العبور بالبلاد نحو الديمقراطية. وواقع الأمر أن الإشكالية التى تثيرها أحاديث المرشحين المحتملين هى أنها تدفع بالاهتمام العام بعيدا عن استحقاقات المرحلة الانتقالية وتحديات البناء الديمقراطى فى مصر.
وقد حاولت طوال الأيام الماضية تكثيف النقاش حول قضايا مثل المفاضلة بين الرئاسية والبرلمانية كنظام سياسى لمصر الديمقراطية، وتعديل الدستور الحالى فى مقابل كتابة دستور جديد، ودور المؤسسة العسكرية فى المرحلة الانتقالية وما بعدها، وكيفية الإدارة المؤسسية لحوار وطنى موسع حول المرحلة الانتقالية والديمقراطية، ودور المجتمع المدنى، وتحديات إصلاح المؤسسات الحكومية والعامة، وغيرها.
جميع هذه القضايا أكثر مركزية وأهمية لتحول مصر الديمقراطى من تداول أسماء المرشحين المحتملين، وجوهر التعامل الجاد معها هو التفكير المنظم والتفصيلى فى الآليات والإجراءات والتدابير والتوقيتات وليس الحديث العام عن مقام وقدرات هذا المرشح أو ذاك.
وانحيازى هنا ونحن نسعى لإدارة تحول ناجح نحو الديمقراطية هو للجمهورية البرلمانية التى تضمن حياة حزبية متطورة وتحد من تغوّل الرئاسة والسلطة التنفيذية فى مقابل الجمهورية الرئاسية التى تضع سلطات مطلقة بيد الرئيس ولا تسائله. وفى حين أؤمن بحتمية كتابة دستور جديد لمصر يؤسس للبرلمانية ويخلصنا من دستور 1971 السيئ (ربما بعد الأشهر الستة القادمة)، أعتقد أن من الأفضل وبعد أن يسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد لبرلمان ورئيس منتخبين الإبقاء على دور للمؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية يضمن عدم الانقلاب على الديمقراطية والتعددية، ربما بصيغة قريبة من مجلس الأمن القومى التركى.
طالبت أيضا بالشروع فى تشكيل مؤسسة للحوار الوطنى تمثل بداخلها جميع القوى الوطنية والنقابات العمالية والمهنية والحركات الشبابية والمجتمع المدنى وتدير بجانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة مهام المرحلة الانتقالية محددة بدقة آليات وإجراءات وتوقيتات التحول الديمقراطى.
تستحق هذه القضايا جميعا اهتماما مستمرا من قبل الرأى العام ولابد من تكثيف النقاش حولها، منعا لانفراد المجلس الأعلى باتخاذ كل قرارات المرحلة الانتقالية وضمانا لمشاركة المواطنين فى تحديد وجهة النظام السياسى الجديد. أما الحديث عن مرشحين محتملين، إنْ منهم مباشرة أو من خلال وسطاء لهم، فقناعتى أنه سابق لأوانه ولا طائل من ورائه فى اللحظة الراهنة.
هنا كلمة حق يجب أن تقال عن الموقف المحترم للدكتور محمد البرادعى الذى رفض الحديث الشخصى عن احتمالات ترشحه وشدد دوما على أهمية إنجاز الإصلاح الدستورى والسياسى والمؤسسى قبل التفكير فى هوية المرشحين للرئاسة، ثم أعلن عدم ترشحه للرئاسة مؤكدا أن ما يعنيه هو تحول مصر الديمقراطى. موقف البرادعى هذا شديد الاتساق مع مطالب الثورة المصرية المشروعة ويخدمها على نحو أكثر فاعلية من إفصاح البعض عن رغبته فى الترشح للرئاسة وتنظيم البعض الآخر حملات انتخابية مبكرة على شاشات الفضائيات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق