اخر الاخبار

16‏/02‏/2011

آن لشعب مصر أن يمد رجليه/اسامة غريب

أسامة غريب

يروي أن الإمام الشافعي رضي الله عنه كان يجلس مع تلاميذه يتحدث إليهم في درس عن الصيام، و كان لألم في ساقيه قد جلس فارداً رجليه للأمام أثناء إلقائه الدرس عندما دخل عليهم رجلاً فخيماً ذا مهابة كانت تبدو عليه سيماء العلم و الوقار، و هنا قام الشافعي بسحب رجليه و ثنيهما رغم ما به من ألم و ذلك تأدباً في حضرة رجل تصور لمنظره المهيب أنه قد يكون أعلم منه!. فلما أنهي الشافعي الدرس قام هذا الرجل و توجه بالسؤال إلي الإمام قائلاً: يا إمام..من أي وقت لأي وقت يكون الصيام؟. فقال الإمام رضي الله عنه: من طلوع الفجر إلي مغيب الشمس. فقال الرجل: يا إمام فإن لم تغب الشمس فماذا عسانا نفعل؟. و هنا قال الشافعي قولته المشهورة: الآن آن للشافعي أن يمد رجليه
.
قام الشافعي بالعودة لمد رجليه بعدما أدرك تهافت الرجل و قلة علمه و حالته الفكرية المتدهورة بعدما كان يظن قبل أن يتحدث الرجل أنه بإزاء عالم كبير
!.
وهكذا يتبين أن مقولة أرسطو: "تكلم حتي أعرفك" هي مقولة صحيحة تماماً لأنك لا تستطيع أن تحكم علي ما يتمتع به شخص من ثقافة و علم و حكمة إلا إذا تكلم و كشف عن شخصيته
.
من الجدير بالذكر أن اللواء عمر سليمان المدير السابق للمخابرات المصرية و الساعد الأيمن للرئيس المخلوع حسني مبارك كان يحظي بسمعة طيبة لدي المصريين ساعد عليها قلة ظهور الرجل و الغموض الذي كان يحيط به، فضلاً عن مظهره الصارم الذي يوحي بجدية شديدة و عدم معرفة الكثيرين لأي معلومات عنه، و ترأسه لجهاز عرف عنه الكفاءة و الوطنية و السهرعلي أمن الوطن حيث يواجه الأجهزة المعادية و شبكات التجسس و التخريب بخطط و عمليات تمتليء بالشجاعة و الجسارة و الدهاء
.
وكما ذكرت الكاتبة و النشطة السياسية "نوارة نجم" في حديث تليفزيوني أن هذه الصورة قد ساعد علي رسوخها في الأذهان أعمال درامية مثل رأفت الهجان و جمعة الشوان، و كذلك قراءة الشباب لروايات مثل رجل المستحيل و غيرها
.
في الأسابيع الأخيرة و بعد ثورة المصريين التي اندلعت في الخامس و العشرين من يناير و بعد تدهور الأحوال في أعلي السلطة و التخبط الذي عالج به مبارك ثورة شعبه عليه، و في خضم إجراءاته اليائسة التي أقدم عليها كمن يتجرع السم قام الرئيس المخلوع بينما مصر تحترق و تتعرض للسلب و النهب علي أيدي ميليشياته بتعيين عمر سليمان نائباً لرئيس الجمهورية في حركة أحجم عن القيام بها طوال ثلاثين سنة. و هنا تساءل الناس: و هل اكتشف مبارك الآن أن منصب النائب كان شاغراً؟
.
وفي الحقيقة لقد أشفق البعض علي عمر سليمان الذي اعتبروه رمزاً وطنياً أن يزج به مبارك في أتون معركته مع شعبه و أن يحرق الرجل و يلحقه بمركبته الغارقة، و دعا له الكثيرون أن يستطيع أن يفعل شيئاً لإنقاذ الوطن..فماذا وجدوا؟
.
لقد تحدث عمر سليمان في الأسبوعين الذين جلس فيهما علي مقعد نائب الرئيس حوالي أربع أو خمس مرات، و في الحقيقة لقد أجهز من خلال أحاديثه التليفزيونية إجهازاً تاماً علي الصورة التي كانت في مخيلة الناس عنه و أكد لهم أنه نسخة طبق الأصل من مبارك، ليس فقط بسبب ولاءه التام البادي لرئيسه المكروه شعبياً و تماهيه معه في كل قراراته، و إنما لأنه بدا غير قادر علي التصرف و في انتظار التعليمات التي عاش عمره يتلقاها، و لم يدرك أن مبارك قد انتهي، و ظهر أنه بعيد كل البعد عن السياسة و أصولها فحفلت تصريحاته بالاستعلاء و الاستفزاز و التهديد و الوعيد مع الإحجام عن أي تصريح لين يتعاطف مع الناس و يعطي الشباب أملاً في أن رسالتهم التي لم يفهمها الرئيس قد يفهمها نائبه. و كان من أكثر تصريحاته استهجاناً و استنكاراً و جلباً للسخرية تصريحه الذي قال فيه إن الرئيس يعدهم بعدم ملاحقتهم أو القبض عليهم بعد أن ينصرفوا!.. قال هذا في الوقت الذي كان يتعين أن يطلب السماح هو و رئيسه من شعب مصر!. ثم جاء حديثه التليفزيوني مع محطة أمريكية كارثياً عندما قال للمذيعة إن الشعب المصري غير مؤهل للتحول الديموقراطي و إنه يحتاج وقتاً حتي يتعلم ثقافة الديموقراطية!. قال هذا في الوقت الذي كان ملايين الناس يقفون في كل المدن المصرية مواجهين آلته القمعية و بلطجية رئيسه و إعلامه الساقط لأجل مطلب واحد هو الديموقراطية، فأثبت أنه هو الذي يحتاج أن يولد من جديد حتي يتعلم ثقافة الديموقراطية!. و قد أدركنا من حديثه هذا من أين كان يأتي أحمد نظيف و أحمد أبو الغيط بتصريحاتهما المعادية للإنسانية و لأماني الشعب، و فهمنا أن الثلاثة كانوا تلامذة نجباء في مدرسة المخلوع الديموقراطية
!.
حديث واحد من أحاديثه كان رائعاً و جميلاً و نزل علي الناس برداً فأخذوا يستعيدون كلماته مرة بعد مرة هو حديثه الأخير الذي أعلن فيه تخلي زعيمه عن منصبه كرئيس للجمهورية..و حتي في هذه الكلمة الذي حملت للناس أجمل خبر سمعوه في الثلاثين سنة الأخيرة فقد شابها لحن في الإلقاء..و اللحن هو النطق الخاطيء للكلمات و ذلك عندما أنهي الخبر بقوله: و الله الموفق. و قد نطق كلمة الموفق بفتح الفاء علي الرغم من أنها يجب أن تكون مكسورة حتي يكون لها معني!.، و رغم هذا فنحن نعذره لأنه كان يذيع علي الناس أسوأ خبر بالنسبة له شخصياً
.
والآن بعد أن استمعنا إلي الرجل الغامض الصارم ذي الطلعة المهيبة و هو يتحدث فإنني أعتقد أنه قد آن لي أن أمد رجليّ علي امتدادهما
!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق