اخر الاخبار

21‏/02‏/2011

مصر يناير ‏2041‏ /د. قدري حفني

د. قدري حفني
تري كيف ستكون صورة مصر في عيون المصريين في25 يناير2041 أي بعد ثلاثين عاما حين يقترب شباب25 يناير2011 من سن الكهولة أ و التقاعد

لقد اسقطت ثورة هؤلاء الشباب عددا من الأوهام التي سيطرت علي عقولنا واسقاطهم لتلك الاوهام وبصرف النظر عما سوف تسفر عنه ثورتهم هو ما سيظل راسخا في الوعي المصري محددا ملامح صورة مصر في عيون المصريين طيلة الأجيال الثلاثة القادمة.

الوهم الأول: لقد تسرب إلي عقول العديد منا أننا متشددون بل متعصبون دينيا, وأن الشرطة هي التي تقي كنائسنا من عنف الأغلبية المسلمة المتشددة, ومع ثورة25 يناير واختفاء الشرطة بشكل مريب وتام من شوارع كافة مدن المحروسة, لم يقذف حجر علي كنيسة. بل جسد لنا ثوار25 يناير جوهر وحدة المصريين دون اصطناع أو ادعاء.
الوهم الثاني: تباكينا طويلا علي ضعف انتماء الشباب المصري, وانصرافه عن الاهتمام بالشأن العام إلي الاهتمام بتوافه الأمور, وتطوعنا بتقديم العديد من التفسيرات للظاهرة كما لو أنها حقيقة لا شك فيها, أرجعها بعضنا إلي أنه لا انتماء مع الفقر, وأرجعها البعض إلي القهر السلطوي, وأرجعها البعض إلي ضعف مؤسسات التنشئة السياسية أو إلي غير ذلك, وبادر البعض إلي تصميم برامج تدرب الشباب علي الانتماء. وجاءت ثورة25 يناير لتكتسح ذلك الوهم ولنستطيع بنظرة عابرة إلي شباب تلك الثورة أن نكتشف أن الانتماء للوطن وللشأن العام أمر عابر للطبقات الاجتماعية يستوي فيه الشرفاء من الأغنياء والفقراء.

الوهم الثالث: طالما حذرونا وحذرنا أنفسنا من عدوانية شرسة وحقد مدمر يكنه الفقراء وسكان العشوائيات للمستورين فضلا عن الأغنياء, وأن الشرطة هي التي تحول بين هؤلاء وبين التهامنا وإحراق الوطن. ومع تدافع أحداث ثورة يناير وغياب الشرطة حدثت عدة وقائع ترويع وبلطجة لم يتم تبين أبعادها بعد, وحدثت أيضا بعض وقائع نهب وسرقة, ولكن العديد من أبناء تلك العشوائيات قاموا بجمع الكثير من المسروقات وإعادتها, وسقطت في خضم ثورة25 يناير محاولات دق الأسافين بين أبناء الوطن ومحاولة صياغة النظريات العلمية التي تؤكد ذلك.
الوهم الرابع: لقد اهتزت علي أيدي ثوار25 يناير محاولات شيطنة صورة الإخوان المسلمون, وتصوير الأمر كما لو كانت جماعة الإخوان المسلمين منتشرة بين رجال الجيش والشرطة وأنه ما أن تعم الفوضي إلا ونشهد دبابة تتجه إلي مبني الإذاعة والتليفزيون ونسمع البيان الأول من مرشد الجماعة. وقد شهدت البلاد فوضي لم نشهدها من قبل بل وتم تحطيم بوابات السجون وانطلق منها فيمن انطلقوا العديد من سجناء ومعتقلي الإخوان, ولم يحدث شئ من ذلك المتوقع رغم حقيقية أن أية جماعة تجد في نفسها القدرة علي الاستيلاء علي السلطة لن تتردد لحظة واحدة. ولعل شباب ثورة25 يناير قد اكتشفوا خلال تفاعلهم المباشر مع شباب الإخوان المسلمين أنهم يتعاملون مع بشر مثلهم ليسوا ملائكة ولا شياطين لقد أتاح لنا ثوار25 يناير الفرصة لإعادة اكتشاف حقيقة انه لا توجد قوة منفردة تستطيع أن تستأثر بحكم مصر.
الوهم الخامس: لقد تكرر حديث مثقفينا عن عجز المصريين عن العمل الجماعي, وعجزهم عن الاعتماد علي أنفسهم في إدارة شئونهم, وجاءت ثورة25 يناير لتكشف لنا ليس فحسب قدرة شباب الثورة علي العمل الجماعي, بل قدرة المصريين جميعا علي ذلك. لقد قام المصريون في غياب الشرطة بالتعاون من أجل حماية أنفسهم بتشكيل وحدات مدنية لحماية بيوتهم وأسرهم وممتلكاتهم فضلا عن تنظيم المرور وضبط الاسعار. صحيح أن خبراتهم الفنية في هذه الأمور محدودة, ولكنهم مارسوا عملهم التطوعي بطهارة قابلها الجميع باحترام ودون تذمر. لقد قدم هؤلاء الشباب نواة لبديل نظيف للادارة المحلية.
الوهم السادس: لقد ترتب علي انتشار وتغلغل تلك الأوهام أن سادنا تصور أن أبرز خصائص الشخصية المصرية تتمثل في العجز وقلة الحيلة والخوف واليأس من التغيير, وأننا حتي حين نطالب بالتغيير نجبن عن دفع ثمنه, وأخيرا جاءت ثورة شباب25 يناير لتكون بداية لسقوط ذلك الوهم. لقد أسقطت تلك الثورة حاجز الخوف ورأت عيون المصريين شبابهم يدفعون ثمن التغيير من دمائهم. إن الفارق بين الوهم الجماعي والحقيقة الاجتماعية أن الوهم الجماعي وهم مصنوع لا يمثل الجوهر ولا يعبر عنه بل تتم صناعته قصدا بالحديد والنار أحيانا وعبر أجهزة تزييف الوعي بشكل مستمر. وقد تمكنت طليعة الجيل الجديد من الإفلات من تلك الحلقة الجهنمية المحكمة ولعلهم يروون في يوم ما كيف نجحوا في الإفلات وفي تشكيل وعي جديد.

خلاصة القول: لقد كانت تلك الأوهام تشكل جوهر تصور المصريين لأنفسهم, وبسقوطها سوف تتشكل ملامح وعي مصري جديد مهما كانت طبيعة ما سوف تسفر عنه الأحداث الجارية
لقد اختفي جيل ثورة1919 وأصبحت وقائع تلك الثورة سطورا في كتب التاريخ تختلف فيها وجهات النظر بعد أن رحل بحكم الزمن شهود العيان, وتوشك بقايا جيل يوليو1952 علي الرحيل بعد أن شاهدوا القاهرة تحترق ثم استمعوا للبيان الأول وشاهدوا صور الملك فاروق يرحل, وتحولت وقائع يوم23 يوليو بدورها إلي وثائق تاريخية يرويها من صنعوا ذلك اليوم من الضباط الأحرار ويرويها أيضا من عارضوا ما جري. كذلك فإن من شهدوا كارثة1976 ثم حرب1973 يتناقصون بحكم الزمن وتذوي معهم ذكريات الهزيمة والانتصار. إننا نشهد هذه الأيام ثورة من نوع جديد لم تشهده أجيال1952, ولا1967, ولا.1973 هذه المرة لم يكتف الشباب المصري بالتصفيق والتأييد والمساندة والتطوع ولم يقفوا عند حدود الاعتراض والتذمر والنقد والإدانة, بل مارسوا الثورة بأنفسهم. إن أحدا من الأجيال السابقة ومنهم الجيل الذي انتمي إليه قد توقع شيئا مما حدث بهذا الحجم. صحيح أن منا من قال ولكن أحدا منا لم يفعلها ولذلك فليس لأحد منا أن يتبرع بالنصيحة باعتباره الأكثر خبرة, فخبراتنا تنتمي لزمن قديم اكتسحه هؤلاء الثوار الجدد وأسقطوا العديد من أوهام ذلك الزمن القديم وأخذوا في تشكيل ملامح المستقبل. ولذلك حين كان يسألني البعض عن رأيي فيما يجري وتوقعي لمساراته كنت أردد بمنتهي الصدق إنني لم أستطع أن أتنبأ بسلوك شباب أسرتي شخصيا فكيف لي أن أجرؤ علي تقديم النصيحة لجيل الشباب الذي يصنع ثورته. إن نصائحي بحكم السن تستند إلي خبرتي القديمة التي عفي عليها الزمن. إن أحدا من أبناء جيلي القديم لا يستطيع أن يقترح عليكم موقفا وغاية ما يمكن تقديمه هو بعض الآليات العامة التي قد تصلح للتعامل مع الموقف الذي يختاره الشباب مع الحذر من الانزلاق إلي إدانتهم مهما بدت لنا مواقفهم خاطئة أو مغامرة أو حتي مشوشة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق