اخر الاخبار

04‏/02‏/2011

مصر وإدارة الأزمة..جيفري كمب

في الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي ألقى الرئيس الأميركي أوباما خطابه عن حالة الاتحاد أمام الكونجرس الذي حرص أعضاؤه خلال فترة قصيرة من الزمن على إظهار تأييدهم للأهداف الكبرى التي سطرها أوباما، مترفعين عن انتماءاتهم الحزبية الضيقة ومنخرطين مع الرئيس في إخراج الاقتصاد من أزمته، لاسيما فيما يتعلق باستحداث الوظائف. كما حرص الكونجرس أيضاً على التخفيف من حدة اللهجة المتشنجة التي هيمنت على الحياة السياسية طيلة السنة الماضية بعد حادثة إطلاق النار في "توسون" بأريزونا وإصابة النائبة الديمقراطية "جابرييل جيفورد" بجروج بليغة
.
وبعد انتهائه من خطابه استغل أوباما الأجواء الإيجابية السائدة في واشنطن للإعلان عن نيته القيام بجولة في أرجاء الولايات المتحدة للترويج لأفكاره الاقتصادية وزيارة المعامل والمصانع التي تضررت من جراء الأزمة الحالية. لكن مع الأسف توقفت خطط أوباما عندما اصطدمت بحدثين غير متوقعين غيرا حساباته، وحسابات مساعديه أيضاً. ففي اليوم التالي على إلقاء الخطاب ضربت الساحل الشرقي للولايات المتحدة عاصفة ثلجية قوية وصلت إلى العاصمة واشنطن في وقت الذروة المرورية، وهو ما أحدث حالة من الفوضى في شوارع المدينة وزحاماً في حركة المرور أدى إلى توقف تام تقريباً، لاسيما بعد أن غادر سائقو الشاحنات والسيارات مقاعدهم وتركوها في الطريق خوفاً من الانزلاقات التي زادت احتمالاتها بسبب الجليد الذي غطى الطرق وأعاق الحركة. وكانت العاصفة أسوأ من هجمات 11 سبتمبر عندما أُخلي البنتاجون من الموظفين الفدراليين وسادت حالة من الخوف والهلع في أرجاء واشنطن
.
لكن في الوقت الذي كانت فيه العاصفة تضرب واشنطن وحركة السير تتوقف، بسبب التساقطات الكثيفة للثلوج، كانت الأزمة في مصر تكتسي أبعاداً تاريخية. فمنذ 26 يناير الماضي وإدارة أوباما تراقب عن كثب التطورات الجارية في مصر، بل وبدأت تبحث جدياً طرق التعامل مع ما يجري في الشرق الأوسط على وجه العموم من اضطرابات سياسية لها تداعيات على مجمل المنطقة وعلى مستقبل السلام فيها. ومع أنه من الصعوبة بمكان التكهن بما ستسفر عنه الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها العاصمة المصرية وباقي مدن البلاد الأخرى، إلا أنه وحتى ساعة كتابة هذا المقال تجمهر أكثر من مليون مصري في ساحة التحرير بالعاصمة مطالبين بسقوط النظام. ورغم الانتشار الكثيف للجيش في الطرقات لحماية المصالح العامة ومنع حدوث تدهور في الوضع، إلا أنه تعهد في بيان بثه التلفزيون الرسمي بعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين. هذا في الوقت الذي يشعر فيها المصريون بالقلق على مستقبل بلادهم، لاسيما في ظل عمليات النهب والسرقة التي انتشرت في بعض الأماكن بعد فرار آلاف السجناء من محابسهم إثر انسحاب قوات الأمن من الشوارع وتركها نهباً للعصابات وحالة الفوضى. وإزاء هذا الوضع الملتهب في مصر وجد أوباما نفسه أمام موقف صعب فيما يتصل بالعلاقة مع الرئيس المصري الذي حكم البلاد منذ اغتيال سلفه أنور السادات عام 1981. فقد كان مبارك أحد أهم حلفاء أميركا في المنطقة، وكان شريكاً موثوقاً في الحرب على "القاعدة"، وقد بذل جهوداً كبيرة للجم "حماس" و"حزب الله" والحد من تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، كما حافظ على سلام بارد مع إسرائيل، وعلى علاقات عسكرية مع الدولة العبرية والولايات المتحدة، وتقاسم معهما معلومات تعتبر ضرورية لاستمرار الاستراتيجية الأميركية في المنطقة
.
لكن، وفي المقابل، لم يكف الرؤساء الأميركيون المتعاقبون عن حث مبارك، سواء في العلن أو في السر، على البدء في إصلاحات سياسية تخفف من القبضة الرسمية على الحياة السياسية في مصر وتتيح لقوى المعارضة الأساسية في البلاد نوعاً من المشاركة في الحياة العامة، وهو ما كان يصطدم دائماً بمقاومة من النظام الذي يجد اليوم نفسه أمام مطالب المحتجين ذات السقف المرتفع
.
ولا شك أن الخبراء والمراقبين في واشنطن، من شتى المشارب والانتماءات، يتكهنون حالياً بما سترسو عليه الأزمة في مصر، ويطرحون الأسئلة المتعددة حول ما ستؤول إليه الأوضاع هناك: فهل تكفي العروض التي قدمها مبارك لتهدئة الوضع، لاسيما موافقته على عدم الترشح لولاية رئاسية أخرى، وتعهده ضمنياً باستبعاد سيناريو التوريث، وتعيين نائب له، وإعطاؤه أوامر بالبدء في حوار مع رموز المعارضة، فضلاً عن بعض الإصلاحات السياسية المهمة التي وعد بها في خطابه المذكور؟ ثم ما هو الدور الذي يتوقع أن يلعبه الجيش المصري في جميع الحالات، علماً بأنه أقوى مؤسسة في البلاد؟ وما هي مبررات الخشية من ظهور جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في هذا الحراك المصري الجديد؟

لكن إلى أن تتضح الأمور في مصر يصعب الخروج بخلاصات دقيقة، لاسيما في ظل التطورات الميدانية المتلاحقة التي لا تترك مجالاً للتحليل. وتحسباً لأي مفاجآت تحدث، فقد قام أوباما بإرسال مبعوثه الدبلوماسي المخضرم، فرانك ويزنر، الذي سبق أن شغل منصب السفير الأميركي في القاهرة، لاستجلاء الوضع والحديث إلى الأطراف المختلفة. ومع ذلك فإنه من الصعب إلى حد كبير القول بأن "ويزنر" سيأتي بأفكار واضحة في هذا الخصوص، وذلك بالنظر إلى الزخم المتواصل في الشارع المصري وحالة عدم اليقين المهيمنة على لوني الطيف؛ المؤيدين والمعارضين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق