اخر الاخبار

09‏/02‏/2011

ما كنا عايشين..وليد بكر..








إتصل بى احد الأصدقاء صارخا ، ماذا يريد هؤلاء الشباب ، أعمالنا توقفت بيوتنا خَرُبت ، ما كنا عايشين ، بناكل ونشرب والحال ماشى ، الغريب ان صديقى هذا من الفئة المثقفة المتعلمة والمدركة للواقع ، وكان من الكثيرين الذين تخوفوا ثم تفائلوا بالثورة ، الا ان تزايد الضغط الاقتصادى ادخلهم فى مرحلة من الغيبوبة الفكرية التى يصعب معها التمييز ما بين المذنب والضحية

وفى مشهد آخر و أثناء توقفى فى طابور الخبز اليومى الطويل ، والذى بدأ يزداد طولا بعد ايام من الثورة ، فوجئت بصاحب المخبز، وهو احد مريدى الحزب الحاكم يرسل احد صبيانه لتصوير الطابور بكاميرا موبايله ، وكأنه يقول بشماته هذا ما جناه عليكم الشباب العابث بمظاهراتهم
نحن أمام شريحة من المواطنين الذين بدأت تهتز أمامهم صورة الثورة الشريفة ، إما بحسن نية نتيجة الظروف الصعبة التى نعيشها الآن ، أو بسوء نية متعمد لتشويه ماتم ، وإبقاء الحال على ماهو عليه ، يساندهم فى ذلك إعلام موجه يتمادى فى الكذب ، والتضليل القبيح ، والساذج لدرجة أفقدته كل المصداقية بل وبدأ بعض العاملين فيه ممن يبقون على ذرة من مصداقياتهم بالتنصل من هذا العبث الاعلامى
عندما ينهار اى نظام تكون هناك فئة من أصحاب المصالح والفاسدين الذين يصيبهم الذعر مما يخبئه لهم المستقبل ، وهم الحريصون على افشال الثورة بكل الاشكال حتى وان بدى البعض منها ساذجا وغبيا ، كما حدث عندما ارسل بعضهم شرذمه من البلطجية ، واصحاب السوابق بالجمال والخيل والحمير لكسر ارادة الثوار ، فيما اطلق عليها البعض اسم موقعة الجمل
لا احتاج الى سرد الاسباب التى دعت الشباب للخروج يوم 25 يناير ، والتى ايدها الجميع بما فيهم المحسوبين على النظام ، ولم يجرأ احد على معارضتها والاعتراف بضرورة التغيير، و بوجود اخطاء كبيرة ومتراكمة فالحق صوته عال ، ولا يختلف عليه الا اصحاب النفوس المريضة
لست ممن ساعدتهم الظروف لنيل شرف التواجد بميدان التحرير، لكننى كنت على تواصل مستمر باصدقائى المتواجدين هناك وعشت معهم لحظة بلحظه الاحداث ، وما سأقوله هو صرخه نابعة من قلبى للشعب المصرى الكريم وبالأخص الذين بدأت تعصرهم تداعيات الأزمة الاقتصادية وهى الضريبة المعتادة بعد الثورات
لقد فقد الكثيرين حياتهم فى تلك الثورة ، وخرج منهم العديدين بعاهات ، وعاشوا ليال تحت حصار من عُباد المال من البطجية الذين لادين لهم ولا رحمة ، كل هذا لنيل مطالب مشروعة عادلة من نظام عاش من عمره ما عاش ولم يتبقى له فى دنيانا الا القليل ، أبى أن يعطيها لشعبه الا على جثث ابنائه الطاهرة ، وكان من الممكن تفادى كل هذه المجازر بشئ من الخوف من الله ، وإدراك باننا كلنا الى زوال
ان العقل والمنطق لا يحملان ابدا هذا الشباب الطاهر أى شئ من الأزمة الحالية ، ولكنها كما قلت غيبه للتفكير المتعقل تحت الضغوط القاسية ، وبوسوسة من أذناب الفساد ، هذا الشباب الذى خرج بكل سلميه يوم 25 يناير يقولها بصوت عال ، سلمية سلمية ، وأنضم اليه العديدين من الناس ، وبشهادة الشباب انهم كانوا يتصدون لاى محاولة تخريب ، وبدا ان اليوم سيمر بسلام على الرغم من بعض التعامل الامنى الغليظ ، والذى كان معتادا من الجهاز الأمنى ، الا ان هناك من أبى الا ان يضع مصر على حافة الهاوية ، فكانت اولى الدماء التى اريقت فى السويس وقودا لتدهور الاحداث
لقد ابى القائمون على ماسمى بجهاز الأمن الا ان يمارسوا أبشع أنواع الظلم ، واهدار كرامة المصريين فى الأيام الأولى للثورة ، هذا الجهاز الذى شاء الله ان يفضح أمر الفاسدين فيه ويكشف عوراتهم ، ويميز الخبيث منهم عن الطيب ، حينما انسحب البعض منهم تاركين البلد تحت رحمة الخارجين عن القانون من البلطجية ، وأرباب السوابق يعيثون فى الأرض فسادا ، وأراد الله أن يرينا نقاء معدننا الأصيل فخرج الشباب ليدافع عن عرضه ، وأمنه ليكون اللجان الشعبيه هذا الشباب هو المتهم بحرماننا من نعمة الأمن فاين بالله عقولنا اليس فينا رجل رشيد ؟
لقد طالب الشباب بمطالب منطقية من أول يوم ، واستجيب لبعضها بعد أربعة ايام من التظاهر والقمع عطلت فيها المصالح ، وفرض فيها حظر التجول ، فبالله عليكم لو ان تلك الردود الايجابية كانت من اول يوم اكنا وصلنا الى هذه المرحلة ، هل من المنطقى ان نحملهم ذنب من تاخروا فى الاستجابة لمطالبهم اين العقل بالله عليكم ؟
ان الطريقة التى قدم بها النظام تنازلاته (وهى فى الحقيقة حقوق) الى الشباب كانت أشبه بالتنازلات التى يقدمها الأعداء لبعضهم فى المفاوضات وليس كعطاء المحبين حين يضحون (ان كان فيما يقدمون تضحية) ، هذا الاحساس لدى الشباب اعطاهم نوعا من عدم الثقة المشروع بالاضافة الى ضعف الاحزاب ، والذى تسبب فيه النظام ايضاً ، فبات الشباب فى حيرة فلا قيادة لهم ولا توجيه ، واصبح الموجه لهم هو دماء اخوانهم التى اهدرت امام اعينهم ، فكانت وقوداً للمزيد من الثورة ، دون ادراك لان لكل ثورة حدود ، وانه لابد من وقت للجلوس ، واعطاء فرصه للسياسة لتأخذ مجراها ، على أسس وقواعد جديدة وقوية
العذر كل العذر لهؤلاء الشباب فيما ينتابهم من انعدام للثقة ، فهم لم ينالوا ما يشفى صدورهم ، ولو بشكل وقتى ، على الاقل الغاء قانون الطوارئ ، او حل البرلمان المطعون عليه ، او بدء محاكمة الفاسدين ، او على الاقل استقالة الرئيس من رئاسة الحزب الوطنى ، الذى اصبح من المسئ جدا الانتماء اليه فى تلك المرحلة ، او اطلاق صراح من اعتقلوا جمعيا ، او السعى لضبط الشارع من كتائب البلطجة التى اخترعها الفكر الامنى السابق ، والتى كان يستعين بها لتحقيق امن النظام متناسيا امن الشارع ، وها نحن الآن ندفع الثمن ، لا نريد ان نرى مظهراً من مظاهر البلطجة مرة أخرى ، وهذا ما وعد به رئيس الوزراء الجديد الفريق أحمد شفيق
لا يستحق هذا الشباب الطاهر ان نحمله ذنب من اذنب ، وهو الضحية ، ولكنه يستحق التحية والاحتواء والتوجيه للطريق الصحيح ، من خلال ذوى الخبرة والحكمة ، فلا نجاح للقوة دون حكمة ، ولا تأثير للحكمة دون قوة ، ومع احترمنا للاحزاب القائمة حاليا الا انه واضح تماما انها لم تؤدى دورها المطلوب سواء كان بارادتها او بقيود النظام ، لكن وكما قال الجميع ، مصر قبل 25 يناير ليست كمصر بعدها ، فالتنطلق الاحزاب بخبرتها وحكمائها لتعرض افكارها وبرامجها على هؤلاء الشباب ، وتترك لهم حرية الاختيار، ولتكن فرصه جيده للاحزاب تحت التأسيس التى طلما رفضها النظام لأسابابه الخاصة ، فلدينا حزب الكرامة والوسط تحت التأسيس ، والذى ينتظر الحكم فى قضيته فى التاسع عشر من فبراير لهذا الشهر ، وحتى و ان حاول الشباب تكون احزاب لانفسم ، فلا غضاضة فى ذلك ، ولا قيود بقوانين الاحزاب ولجنتها التى جففت بحر السياسة لمصلحة الحزب الحاكم إننى متفائل بالمستقبل ان شاء الله واقول للشهداء ان دماؤكم لن تذهب سدى ، وسنظل نذكركم ما حيينا ، فانت من فقدتم ارواحكم للاجيال القادمة ، وسيذكركم التاريخ بحروف من نور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق