اخر الاخبار

28‏/02‏/2011

زيارة غير بريئة /فهمي هويدي

fahmy howaidy
إذا صحت الأنباء التى تحدثت عن وصول وفد يمثل الأمم المتحدة إلى القاهرة لتقييم الأوضاع المستجدة فيها، فإن الأمر يستحق الانتباه والحذر، لسبب جوهرى هو أن الأمم المتحدة أصبحت أحد العناوين التى تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية غطاء لتحقيق مآربها، الأمر الذى يعنى أن الزيارة المرتقبة ليست بريئة تماما، وأن الهدف منها هو إجراء مسح للساحة السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير، تمهيدا لاختيار مبعوث للأمم المتحدة إلى القاهرة يسهم فى التعاطى مع الواقع المستجد
.
الخبر بثته قناة الجزيرة، يوم الخميس الماضى، وذكرت فيه أن الوفد سيكون برئاسة لين باسكوا وكيل الأمين العام المسئول عن قسم الشئون السياسية. ورغم أن الهدف المعلن للوفد هو دراسة الأوضاع الاقتصادية وبحث إمكانية إسهام الأمم المتحدة فى مشروعات التنمية، إلا أن المعلومات التى تسربت عن برنامج زيارته شملت لقاءات عدة منها على سبيل المثال: الاجتماع مع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ــ الالتقاء مع وزير الخارجية المصرى ــ لقاءان حول مائدة مستديرة أحدهما مع ممثلين عن الشباب الذين اعتصموا فى الميدان، والثانى مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدنى قد يكون بينهم من يمثل الإخوان المسلمين ــ لقاءات أخرى مع رئيس الوزراء السيد أحمد شفيق والدكتور محمد البرادعى والسيد عمرو موسى والسيد محمد فايق.
كما رأيت فإن أهداف هذا البرنامج ــ إذا صحت معلوماته ــ تتجاوز بكثير حدود المهمة التى أعلن عنها، وترجح فكرة إجراء مسح للواقع السياسى المستجد فى مصر. يؤيد ذلك أن الخبر الذى جرى بثه تحدث أيضا عن توجيه وفد مماثل إلى تونس، التى بدورها شهدت ثورة أطاحت برئيسها وقلبت نظامها السياسى.
يساعدنا على فهم الصورة أكثر أن نستحضر خبرة المنطقة مع مبعوث الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة. فالمبعوث الذى أرسل إلى لبنان ــ بيرى لارسن ــ تم إيفاده لمتابعة تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1559 الذى دعا إلى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان، وإلى تجريد الفصائل اللبنانية من السلاح (المقصود حزب الله). وطوال فترة وجوده فى لبنان فإنه كان يعمل بالتنسيق مع السفير الأمريكى فيلتمان. الذى أصبح لاحقا مساعدا لوزير الخارجية، أما المبعوث الذى تم إيفاده إلى فلسطين فإنه كان ظلا للسفير الأمريكى، وبالتالى فإنه كان يقف بالكامل مع الجانب الإسرائيلى.
هذه الخلفية تدعونا إلى القول بأن الهدف الأساسى للوفد القادم إلى القاهرة هو دراسة الأوضاع وتقييم الأشخاص وانتقاء عناصر بذاتها يمكنها المساهمة فى الالتفاف على الثورة وتحسس الطريق نحو ضمان المصالح الأمريكية، وبوجه أخص كل ما يتعلق بالالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، حتى فيما خص مشروعات التنمية الاقتصادية، فإن تسييسها بحيث تتحرك فى ذلك الإطار سيكون الاحتمال الأرجح.
الوفود التى تزور القاهرة هذه الأيام، التى مثلت الاتحاد الأوروبى وبريطانيا وإيطاليا، ليست بعيدة عن محاولات جس النبض والتجسس لاحتمالات التعامل مع الوضع الذى نشأ بعد الثورة. وقد كان مثيرا للدهشة والضحك فى الوقت ذاته أن يذكر فى أحد البرامج الحوارية المسائية فى مصر أن تلك الوفود جاءت «تدعم الثورة»!
لا تثريب ولا لوم على هؤلاء القادمين، لأنهم فى النهاية يؤدون عملهم ويتحرون مصالحهم، لكننا نقع فى الخطأ ونستحق اللوم إذا ما افترضنا فيهم البراءة، وتصورنا أنهم قادمون تعبيرا عن حبهم لمصر أو تأييدهم للثورة. ذلك أنه لم يعد سرا أن ما حدث فى مصر فاجأ الجميع وأقلقهم. لأن الدول الغربية بوجه عام والولايات المتحدة وإسرائيل بوجه خاص، كانت تعتبر وجود الرئيس السابق ونظامه بمثابة ضمانة تأمين لمصالحها. حتى إن إسرائيل التى اعتبرت الرئيس السابق كنزا استراتيجيا كانت تعربد فى المنطقة وهى مطمئنة إلى أن مبارك ونظامه يوفران الحماية لظهرها. ولست صاحب هذا الكلام، لأن أحد كبار المحللين الإسرائيليين «الوف بن» قالها صراحة فى مقالة نشرتها هاآرتس (عدد 13/2) حيث قرر أن: قادة إسرائيل كانوا يعرفون أن خاصرتها اليسرى مؤمنة حين يذهبون إلى الحرب أو يبنون المستوطنات أو يفاوضون على السلام على الجبهات الأخرى ــ أضاف أنه حتى خطة نتنياهو التى استهدفت الهجوم على إيران فإنها انبنت على افتراض ضمان تأييد مبارك لتلك الخطوة، ولذلك فقد تم تأجيلها وإعادة النظر فيها الآن.
إننا مشغولون كثيرا بتفاعلات الداخل، وذلك مبرر لا ريب، لكننا ينبغى ألا نغفل عن ترتيبات الخارج، الذى لن يتوقف عن محاولة توظيف ثورة الشعب لصالحه. وهو التحدى الذى ينبغى أن ينال حظه من الانتباه والحذر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق