اخر الاخبار

23‏/02‏/2011

فلنتريث بشأن الحكومة البرلمانية /منار الشوربجي


هناك بريق غير مفهوم يحيط بالنظام البرلمانى لدى النخبة السياسية فى مصر. فقد عادت من جديد الدعوة لإنشاء حكومة برلمانية باعتبارها المفتاح لحل مشكلات النظام السياسى. والحقيقة أن هناك الكثير من الأفكار غير المنضبطة المتعلقة بالجمهورية البرلمانية عندنا، منها مثلا أن النظام البرلمانى هو الحل للتخلص من الرئاسة الفرعونية المهيمنة فى مصر، رغم أن النظام البرلمانى لا يقلص صلاحيات المؤسسة التنفيذية، فضلا عن أن النظام المصرى ليس نظاما رئاسيا أصلا- وإنما نظام مختلط كالنظام الفرنسى- أى أن النظام الرئاسى ليس مسؤولا عن توحش السلطة التنفيذية عندنا. والكثيرون من كتابنا الداعين لإقامة نظام برلمانى يطالبون فى الوقت ذاته بالفصل بين السلطات، الذى هو مبدأ لا تعرفه أصلا النظم البرلمانية! لكن القضية الأهم هى أن العلل التى يعانى منها النظام السياسى المصرى لايعالجها النظام البرلمانى، بل إن إقامة ذلك النظام بالذات فى المدى القصير، وقبل توافر شروط بعينها، من شأنها أن تكرس بعض تلك العلل بدلا من علاجها
.
والنظام البرلمانى هو نظام يتم فيه الفصل بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، بمعنى أن يتولى رأس الدولة مهاماً شرفية بالأساس، كملكة بريطانيا، بينما يتولى رئيس الوزارة الصلاحيات التنفيذية
.
ورئيس الوزارة هو زعيم حزب الأغلبية فى البرلمان. فالناخب يختار نوابه فى البرلمان، ثم يتولى الحزب الحاصل على أغلبية مقاعد البرلمان تشكيل الحكومة. وإذا لم يحصل حزب بعينه على أغلبية المقاعد، يتحتم تشكيل حكومة ائتلافية من حزبين أو أكثر. وتظل الحكومة قابضة على السلطة التنفيذية طالما احتفظت بثقة البرلمان، إذ يملك الأخير إسقاطها بسحب الثقة منها، كما يحق لرئيس الوزراء حل البرلمان. تلك هى أهم ملامح النظام البرلمانى، لكن المهم هو تحليلها للنفاذ إلى جوهرها
.
فعلى عكس النظام الرئاسى، الذى توجد فيه انتخابات منفصلة لكل من الرئيس ونواب الشعب، فإن الحكومة فى النظام البرلمانى تستمد شرعيتها من البرلمان، لأنه هو الذى شكلها. ففى النظام البرلمانى يذهب الناخب لصندوق الاقتراع ليختار نوابه فى البرلمان فقط، بينما لاعلاقة مباشرة له باختيار رموز المؤسسة التنفيذية. ويترتب على هذا الفارق اختلاف جوهرى بين النظامين الرئاسى والبرلمانى، يتعلق بالجهة التى لها حق المساءلة. ففى النظم الرئاسية الرئيس مسؤول أمام الناخب مباشرة لا أمام نواب الشعب. فالناخب هو الذى يختاره، ومن ثم يسقطه عبر صندوق الاقتراع. أما فى النظم البرلمانية، فإن الحكومة ليست مسؤولة أمام الناخب، فهو لم يخترها بشكل مباشر، وليس هو الذى يعزلها، فهى مسؤولة أمام المجلس الذى شكلها. فإذا لم يسحب منها البرلمان الثقة، تظل تحكم حتى ولو انخفضت شعبيتها
.
ومما لا يقل خطورة عن كل ذلك أن العلل الرئيسية، التى يعانى منها النظام السياسى المصرى لا يعالجها النظام البرلمانى
.
ففى مصر اختلال فادح فى التوازن بين صلاحيات الرئاسة والبرلمان، وهو اختلال لا علاقة لإصلاحه بقيام جمهورية برلمانية، إلا إذا كان المقصود هو تقليص صلاحيات الرئيس عبر نقلها هى نفسها لشخص آخر هو رئيس الوزراء! فالنظام البرلمانى هو الأقل بين نظرائه تحقيقا للتوازن المنشود فى مصر بين الجهازين التنفيذى والتشريعى. فهو فى جوهره لا يقوم على ذلك التوازن وليس معنيا به. ويخطئ من يتصور أن البرلمان هو الذى يحكم فى النظم البرلمانية. فهو لا يقوم بالدور الأكبر فى عملية التشريع. والحكومة التى تمتلك أغلبية واضحة فى البرلمان تكون قادرة على تمرير ما تشاء، وهو ما حدث بالفعل فى تجارب كثيرة منها بريطانيا، حيث نجحت تاتشر ثم تونى بلير فى تمرير تشريعات لا تحظى بالضرورة بشعبية كافية بين الناس، وذلك من خلال أغلبية الحزب الحاكم فى البرلمان
.
ويعانى النظام المصرى من ضعف شديد للبنية الحزبية، وهو ما لا يمكن حدوث تطور ديمقراطى حقيقى دونه. فكسر احتكار السلطة لا يكون عبر إنشاء حكومة برلمانية قبل أن تقوى الأحزاب السياسية لتصبح قادرة على التنافس الحقيقى. فذلك التنافس هو جوهر الديمقراطية فى النظام البرلمانى أصلا. فالتفاعلات السياسية فى النظام البرلمانى هى التى تجعله ديمقراطيا، وليس الإطار والقوالب. ومن هنا فإن إقامة جمهورية برلمانية فى وضعنا الحالى معناها إعاقة التطور الحزبى إذا ما حصل بموجبها حزب ما على الأغلبية المطلقة فى غياب القوى الحية، التى تضمن الرقابة والمساءلة، بينما سيؤدى ضعف الأحزاب إلى مشكلات لا نهاية لها إذا نتج عن إقامة الجمهورية البرلمانية تشكيل حكومة ائتلافية
.
يتحتم، إذن، أن نتحرى أعلى درجات الدقة فيما نطرحه من بدائل. ولعل تجربة أمريكا اللاتينية ذات مغزى هنا. ففيها قامت دول عدة بنقل النظام الرئاسى الأمريكى نقلا حرفيا، فتحول فى سياق مغاير إلى كارثة أهدرت طاقات وثروات. ثم تحولت بعض تلك الدول، بعد فشل التجربة الرئاسية، إلى الحكومة البرلمانية ومع ذلك لم تشف من أمراضها السياسية
.
بعبارة أخرى، فإن تلك القوالب ليست فى ذاتها التى تحقق الديمقراطية. فالأهم منها هو فحص الواقع المصرى، ثم البحث الخلاق عن الوسائل الأنسب لعلاجه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق