اخر الاخبار

10‏/01‏/2012

على السلمى يكتب:ولاتزال الثورة مستمرة

بعد أيام قليلة سوف يحتفل المصريون بالعيد الأول لثورتهم التى هزت أركان الظلم والاستبداد، وأجبرت الطاغية على التنحى وقضت على حلمه بتوريث الحكم لابنه. والمصريون لابد أن يتذكروا أحداث سنة كاملة من الكفاح من أجل تحقيق أهداف ثورتهم التى ضحوا - ولايزالون - من أجلها بأرواح شهداء أبرار ومصابين كرام على الوطن.

يتذكر المصريون أحداث ثمانية عشر يوما خالدة بلغت ضراوة أعمال العنف المفرط من قبل رجال الشرطة والأمن المركزى أشدها فى محاولة لإرهاب الثوار وإنقاذ حكم الطاغية. سيذكر المصريون يوم جمعة الغضب فى الثامن والعشرين من يناير،
 وكيف صمد الثوار للطاغية وأذنابه وأصروا على رحيله، كما أصروا على رفض خديعة الحوار التى كلف بها الطاغية نائبه عمر سليمان، وكان قرارهم من ميدان التحرير «لا حوار إلا بعد الرحيل».

ولكن مشيئة الله سبحانه وتعالى هيأت للوطن انفراجة لم تخطر على بال الطاغية وزبانيته، واحتشد الشباب وآزرهم الشعب كله فى ميادين التحرير بالقاهرة والإسكندرية والسويس والمنصورة وكل مدن المحروسة هادرين بقرار الثورة «الشعب يريد إسقاط النظام». ورغم محاولته الالتفاف على مطالب الثوار بخطابه الذى حاول الطاغية فيه أن يدغدغ عواطف الشعب الطيب الذى أعقبته موقعة الجمل يومى الثانى والثالث من فبراير،

 كان رد المصريين فى كل مكان «ارحل.. ارحل». ولم يكن أمام الطاغية، وهو يرى نظامه الهش يتهاوى أمام صيحات الجماهير، إلا الرحيل.

جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ لتكون اللحظة الفارقة والفاصلة فى تاريخ مصر، حين أسقط الشعب نظاماً فاسداً مستبداً طالما جاهد المواطنون الشرفاء لفضح سلبياته، مطالبين بالتغيير الديمقراطى والإصلاح السياسى والدستورى لإقامة العدالة الاجتماعية وسيادة القانون. إن الحالة المصرية بعد مرور سنة على ثورة ٢٥ يناير لاتزال ترزح تحت أوزار وسلبيات ما صنعه مبارك بالوطن والشعب،

 وزاد عليها استمرار حالات الفوضى والتشرذم الذى أصاب ثوار ميدان التحرير، وتسلق مجموعة من رجال المال والأعمال وجماعات الفكر المتشدد لركوب موجة الثورة وتحويلها لخدمة أغراضهم وأفكارهم.

لايزال المشهد الوطنى المصرى بعد ٢٥ يناير يبدو استمراراً لما كان عليه قبلها، فلم تصل الثورة إلى مواقع الحكم وإدارة شؤون البلاد ومؤسسات الدولة وكثير من منظمات المجتمع. لايزال الطاغية يرتع فى مال الشعب يلقى العناية الفائقة فى محل إقامته بالمركز الطبى العالمى، وينتقل إلى محكمة الجنايات ممددا على سرير طبى بطائرة خاصة.

 ولايزال أركان حكمه قابعين فى محبسهم بسجن طرة مع ولديه ولا يعلم إلا الله مصير القضايا التى يحاكمون فيها، ليس بأسباب تتعلق بإفسادهم الحياة السياسية وتزوير الانتخابات، ولكن فى قضايا تربح وكسب غير مشروع، وتلك جرائم تستحق العقاب، ولكن جرائمهم الحقيقية فى حق الوطن أهم وأخطر.

واليوم، ورغم كل ما يشاهده المصريون من أحداث لا يتمنى أحد استمرارها، فإن للثورة فضل أن حققت لمصر انعتاقها من أسر الطغيان والديكتاتورية. اليوم يملك الشعب قراره وحقه فى الاختيار وتقرير مصيره. اليوم استطاع المصريون أن يقولوا «لا»، بعد أن كسروا حاجز الصمت ونزعوا الخوف من نفوسهم. اليوم يملك المصريون حقهم فى الاختيار ويستطيعون الاعتراض على قرارات الحكومة التى لا ترضيهم.

 اليوم بدأت مصر تستعيد موقعها على الخريطة الدولية والإقليمية وعاد الناس فى كل مكان يتحدثون عن ثورة مصر وعظمة الدور المصرى الذى افتقدوه كثيراً أيام النظام البائد. واليوم نرى أبناء مصر فى داخل الوطن وخارجه يلتفون حول هدف واحد هو بناء مصر الديمقراطية، دولة العدالة والحرية والقانون، وإن اختلفت الطرق التى يعتقدون أنها الأفضل للوصول إليه،

 إلا أنهم فى خلافهم مدعوون إلى التزام النهج الديمقراطى والخضوع لحكم الأغلبية كما تشهد الانتخابات التشريعية التى انتهت بمراحلها الثلاث وعبر المصريون عن اختيارهم الذى لا نملك إلا احترامه والأمل أن يكون اختياراً صائباً.

إن ما تحقق فى مسار إعداد البنية الأساسية للنظام الديمقراطى الجديد هو قليل جداً بكل المقاييس، وما تحقق فعلاً على أرض الواقع لا يخلو من تعقيدات وتشوهات تقلل من تأثيره على مستقبل الديمقراطية فى مصر. ولاتزال القضية الجوهرية هى صياغة دستور جديد يحقق آمال الشعب فى الحرية والديموقراطية والعدالة. فالدستور الجديد، وهو الركن الأساس فى إقامة النظام الديمقراطى الذى قامت ثورة ٢٥ يناير من أجل تحقيقه، لم يتم وضعه وهناك خلافات شديدة حول تشكيل الجمعية التأسيسية التى ستكلف بوضعه.

إن الأمل كان أن تمضى ثورة الخامس والعشرين من يناير فى مسيرة التحول الديمقراطى على أساس توافق وطنى يجمع شباب الثورة وطوائف الشعب جميعهم، متحدين فى الغايات والأهداف كما كانوا وحدة صلبة خلال الأيام الثمانية عشرة المجيدة التى انتهت بتخلى الرئيس المخلوع عن منصبه، ولكن توالى الأيام وتداعيات الأحداث وتفاقم المشكلات الاقتصادية والمجتمعية،

 وفشل شباب الثورة فى التحالف الحقيقى وتكوين حزب أو أحزاب تعبر عن فكر الثورة وأهدافها، وارتكاب الخطأ التاريخى المتمثل فى تقبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة إجراء تعديلات فى عدد محدود من مواد دستور ١٩٧١ واستفتاء الشعب عليها وانحياز جماعات الإسلام السياسى بقوة لفكرة إجراء الانتخابات التشريعية قبل وضع الدستور الجديد وقبل الانتخابات الرئاسية

 - كل ذلك أوجد حالة غير مسبوقة من التشرذم الوطنى حتى كاد الوطن ينقسم إلى فصائل متنابذة، وكادت فكرة الثورة والتغيير الثورى تتوارى فى زحام الأحداث والكوارث التى حلَّت بالوطن.

أريد أن يرى المصريون الجانب المشرق من إنجازات ثورتهم الرائعة التى أثارت إعجاب العالم وقدمت نموذجاً غير مسبوق فى التغيير الديمقراطى. وأريد أن يتعاون المصريون فى التغلب على المصاعب التى تمر بها البلاد الآن، وهى للحق ليست بفعل الثورة ولا الثوار، ولكنها محصلة سياسات وممارسات نظام فاشل استمر ثلاثين عاماً،

 وكان من الطبيعى أن تتفجر بعد سقوطه وإتاحة الفرصة للمواطنين أن يعبروا عما كانوا يعانونه من مشكلات.

أريد أن ينظر المصريون إلى مستقبل الأيام وما يمكنهم تحقيقه لمصر بتماسكهم ووحدتهم وحرصهم على ألا يتركوا أى فرصة يتسلل منها أعداء الثورة والوطن من الداخل أو الخارج ليضربوا ثورتهم ويفرقوا جمعهم. أهل قاموا بثورتهم وهم يطالبون باستكمال مسيرتها، وسوف ينجحون بإذن الله فى تحقيق التغيير الديمقراطى من أجل وطن حر ومجتمع تسوده الحرية، وسينجحون فى تدعيم قيم المواطنة لضمان سلامة الوطن وتأمين مستقبله،

وسينجحون فى تحقيق مستوى أفضل من جودة الحياة لهم وللأجيال القادمة، وسينجحون فى إقامة مجتمع يتمتعون فيه بحياة حرة كريمة يأمن فيها المواطن على حاضره ومستقبله،

 وسينجحون فى توفير حياة أساسها الحرية والديمقراطية واحترام كرامة الإنسان وحقوقه، وسينجحون فى تأكيد سيادة القانون والمساواة بين الحكام والمحكومين فى الامتثال لحكم القانون، وسينجحون فى المحافظة على استقلال القضاء، وسينجحون فى تحقيق تكافؤ الفرص للجميع وعدم التمييز بينهم على أساس سوى حكم القانون. لن يصح إلا الصحيح..

 وسيبقى الشعب مدافعاً عن حقه فى الحرية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وستحقق الثورة أهدافها.. وستشرق الشمس من جديد بعد أن يحقق الشعب أمله الثورى فى التحول الديمقراطى ويحقق أهداف ثورته المجيدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق