اخر الاخبار

16‏/01‏/2012

حكومة الإخوان بقلم على السيد

لو كنت مكان المجلس العسكرى «الحاكم» لمنحت البرلمان حق تشكيل الحكومة، بعد اكتماله، على أن تبقى الوزارات السيادية فى يد المجلس العسكرى. أسبابى فى ذلك كثيرة، أولاً لنرى كيف سيشكل البرلمان الحكومة فى ظل عدم حصول أى جهة على أغلبية مطلقة، فأنا على يقين بأن عيوب هذا النظام ستظهر فور الإعلان عن ذلك، وسينقسم البرلمان شيعاً وقبائل، وطبعاً جماعة الإخوان ستحاول الاستئثار بنصيب الأسد من الحقائب الوزارية، وستحتفظ لنفسها بالوزارات المهمة. ثانيا سنرى كيف سيعمل الوزراء فى ظل حكومة ائتلافية تشكل من ثلاث قوى: الأولى لـ«الإخوان» والثانية لـ«السلفيين» والثالثة لـ«بقية الأحزاب والمستقلين»، والكتلة الأخيرة منقسمة وموزع ولاؤها.
ثالثاً سنرى كيف سيحدث التوافق على تسمية وزير لوزارة مهمة مثل التعليم، فـ«الإخوان» لم يحكموا بعد وظهرت بركاتهم فى امتحانات نصف العام الدراسى بأسئلة تمتدح «الحرية والعدالة» وتتهم غيرهم بالتخريب والبلطجة.

رابعاً سنرى الخطط الاقتصادية العظيمة التى سيقدمها وزراء التيارات الدينية، غير جمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء بالقسطاس، فقد سمعنا ووُعدنا بالخير الكثير.

خامساً سنرى كيف ستحل حكومة البرلمان مشكلات الإسكان والمرور وأزمات التموين والبنزين والغاز والرواتب والاعتصامات والإضرابات الفئوية، والاعتراضات الدائمة على كل شىء وأى شىء، وقطع الطرق وتعطيل القطارات.

نعلم أن هناك إصراراً على تغيير النظام السياسى فى مصر من النظام المسمى «الرئاسى» إلى «البرلمانى» أو «النصف رئاسى»، فالإخوان وغيرهم يعتقدون أن كل المشكلات السياسية ستحل بهذا النظام، مع أنهم رأوا كيف «خرب» هذا النظام دولة العراق وحولها إلى دويلات متصارعة.

وبما أن هناك إصراراً على الدخول إلى هذا النظام فلنجربه فى فترة إعداد الدستور، ليرى الجميع كم سيكون هذا النظام معطلا ومدمراً للحياة السياسية فى مصر، فكل جماعة ستبحث عن مصالحها وتثبيت وجودها، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العليا للبلاد. نريد أن نرى حكومة ائتلافية قبل الاستفتاء على الدستور، ليتيقن الناس أنهم سيدخلون فى تجربة مدمرة ومريرة.

 صحيح أن تكليف البرلمان بتشكيل الحكومة لن يكون بمقتضى الإعلان الدستورى، ولكنه حل مؤقت. سيكون ذلك بمثابة «الخلاص» من هموم كثيرة: أولها تخفيف الضغط الرهيب الذى يمارس على المجلس العسكرى بتحميل البرلمان جانبا كبيرا من المسؤولية. وثانيها معرفة عيوب ومميزات هذا النظام قبل أن تقع الفأس فى الرأس. وثالثها حتى لا نصدع بالكلام الفارغ الذى سنسمعه عن عدم قبول الحكومة مقترحات البرلمان للنهوض بالوطن وإنقاذه من الغرق.

رابعها نتائج هذا الحل ستكمن فى دفع البرلمان «الجديد تماماً» لمعرفة حجم المشكلات الموجودة فى مصر ومدى تعقدها وتقديمه الحلول، فنحن نعرف أن من يقف على البر عوام، وتلك ظاهرة مصرية بامتياز: مهارة فائقة فى الكلام والتنظير وضعف ووهن فى الفعل والعمل، فكم من بشر رأيناهم يتكلمون عن خطط عظيمة وحين شمروا عن سواعدهم رأينا العكس تماما. خامسها ليعرف أعضاء البرلمان القادمون من المنافى والسجون والتهميش و«البعد عن السياسة غنيمة» و«تكفير الديمقراطية»، وعدم الدراية بما هو خارج حدود «ابن تيمية» و«محمد بن عبدالوهاب» - أن المسؤولية ليست رفاهية، وأن الحكم ليس لعبة، وأن «الأمانة» ليست مجرد كلمة تثلج الصدور، وأن ما يقال فى الخطب ليس كالذى يقال فى الاجتماعات السياسية.

تشكيل الحكومة من قبل البرلمان سيكون بمثابة جس النبض، فإذا فشلت هذه الحكومة فى تحقيق الانسجام السياسى، وإذا تم تشكيلها من دون صراعات أو نزاعات، وإذا عمل كل وزير بعيدا عن تأثير جماعته البرلمانية، فسيكون هذا النظام جيدا نضعه فى الدستور الجديد، أما إذا فشل - ويقينا سيفشل - فنستبعده من حياتنا السياسية ونلتفت لوضع ضوابط للنظام الرئاسى، اللهم إلا إذا كان الإخوان يريدون الحكومة بغض النظر عن «مصائب» النظام البرلمانى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق