اخر الاخبار

12‏/01‏/2012

اكتب عن الإخوان بقلم علي السيد

اكتب».. فعل أمر مخيف، فى دولة تخلصت من عباءة الأمر بالخوف، والنهى بالتهديد. «اكتب» أيها الصغير فغداً ستكبر على «طاعة الأوامر»، غدا ستلغى عقلك، فلست فى حاجة لذلك، فقط عليك أن تحيا مطيعا، ومرددا ما يحشره الإخوان فى رأسك، عبر الفضائيات والندوات والمحاضرات. اكتب يا تلميذ الإعدادى عبارات الفرح والسرور لفوز الإخوان فى الانتخابات، وإياك أيها الصغير أن تكون غير سعيد بفيض الخير والحرية والعدالة، الذى ستفيض به الجماعة على الوطن البائس.
«اكتب».. أمر يرعبك، كما أرعبنى، ليس لأن الوقت مبكر جدا على سيطرة جماعة الإخوان على جميع مناحى الحياة بما فيها التعليم، ولكن الرعب أصابنى لأن الذى يأمر هو معلم «كاد أن يكون رسولا»، والذى يؤمر هو تلاميذ لم يبلغوا الحلم بعد. المخيف أن مدرسا فى مدرسة القنايات الإعدادية بالشرقية وضع سؤالا لتلاميذ الصف الثانى الإعدادى فى امتحان اللغة العربية، طالبا منهم كتابة «برقية تهنئة» لحزب «الحرية والعدالة» بمناسبة فوزه فى انتخابات مجلس الشعب.واضع أو واضعو الامتحان لم يكتفوا بإجبار الصغار على التعبير عن فرحتهم بفوز الإخوان، كما جاء فى موقع «اليوم السابع» بل امتد لأسئلة فى النحو «تضمنت عبارة يتهم فيها الثوار بأنهم مفسدون ومخربون مما أثار حفيظة المجتمع من محاولة فرض اتجاه سياسى على طلاب بمرحلة تعليمية بما يخالف القواعد العامة للامتحانات».الإخوان جماعة سياسية تلعب بالدين حتى فى المدارس، بدليل أن واضعى الامتحان لم يطلبوا من التلاميذ موضوعا عن نجاح تيار «الإسلام السياسى» مثلا، إنما تم تلخيص الانتخابات واختصارها فى عيون الصغار إلى أنها نجاح لحزب «الحرية والعدالة» وحده.

المربى الفاضل لم يدرك أنه يحمل تلاميذه ما لا طاقة لهم به، ويجبرهم على الفرح بنجاح حزب سياسى ربما لم يسمعوا عنه، وليس مطلوبا منهم أن يسمعوا عنه، بل من الأفضل ألا يسمعوا عنه أو عن غيره، فشغل تلاميذ الإعدادية بقضايا السياسة حرق متعمد لعقولهم، وصرفهم عن العلم والتعلم. ثم كيف عرف هذا المدرس أن تلاميذه الذين لم يتجاوزوا الثالثة عشرة من أعمارهم يعرفون «حزب الحرية والعدالة»، وإذا افترضنا أنهم يعرفون، كيف يفترض أنهم يعرفون سياسته ودوره، وبأى كلمات يعبرون عن نجاح حزب لا ينتمون له أو لغيره بحكم أعمارهم الصغيرة.

المعلم الذى علينا أن نقف له ونمنحه كل التبجيل، فرض على «العقول الصغيرة» أن تحب ما يحبه، وأن تفرح لفرحه، وأن تنتمى لـ«الجماعة» كما ينتمى، وأن يروها نموذجاً يحتذى به، كما يرى هو.

«الجماعة» لا ترى إلا نفسها، فواضع الامتحان كان يمكن أن يطلب من التلاميذ الكتابة عن شىء عام مثل نجاح الانتخابات، رغم رفضى الزج بالتلاميذ فى جميع الأمور السياسية، وعدم توجيههم سياسيا حتى من قبل الآباء، لأن المستقبل لهم وليس لآبائهم أو معلميهم.

من الجنون الزج بتلاميذ المدارس فى السياسة، ومن الجنون فرض أفكار محددة على الصغار وتعطيل عقولهم عن العمل، من الجنون سيطرة فصيل ما على العملية التعليمية، وتوجيه المدرس شطر معتقداته الخاصة، من الجنون أن يترك الحبل على الغارب لأن يصب من يشاء ما يريد فى رؤوس أطفالنا، من الجنون أن يترك الأمر بلا رادع قوى عندما ترتكب مثل هذه الجرائم.

القضية أحيلت إلى التحقيق، وربما تحفظ، وساعتها تيقن أن العملية التعليمية برمتها «حفظت» فى «جب» الجماعة، وأن قواعد الجماعة لا تنشط فقط فى الحوارى الضيقة والنجوع الفقيرة والشوارع المزدحمة، ولكنها تغلغلت فى «العقول الصغيرة» بمدرسين لا يعرفون الفرق بين الدعوة للجماعة، والدعوة للعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق