اخر الاخبار

04‏/01‏/2012

عن القلق واليأس فى عيد الثورة بقلم د. منار الشوربجى

استوقفنى الكثيرون مؤخراً يسألوننى بقلق واضح «هل ماتت الثورة فعلا؟» وفى كل مرة كنت أجيب عن السؤال بسؤال فأقول «وهل ستتركها أنت لتموت»؟ وأنا أعنى ذلك تماما، ففى يدنا نحن المصريين أن تموت الثورة أو تظل حية.

والقلق الذى تسرب إلى قلوب بعض المصريين بشأن ثورتهم ظاهرة صحية، فمن يسأل هذا السؤال حريص على الثورة بكل جوارحه، ولن يسمح بموتها، بل ستجده وقت الجد مدافعاً عنها بكل قوته.. وليس صحيحا أن الثورة المصرية لم تحقق شيئاً، فما حققته حتى الآن يكفى لنجاحها وتحقيق أهدافها، ولعل أهم ما حققته هو أنها غيرت وجه مصر من زاويتين، فهى من ناحية كسرت حاجز الخوف فصار مستحيلاً إعادة إنتاج الماضى، ومن ناحية أخرى أنهت خصام المصريين للسياسة، فبعد أن أعطى المصريون ظهورهم للسياسة لعقود طويلة صرت لا تدخل اليوم أى مكان عام أو خاص إلا ووجدت الحديث فى السياسة يتصدر النقاش. وكسر حاجز الخوف وعودة السياسة يجعلان من المستحيل العودة للوراء، فلا تنس عزيزى القارئ أن الحكم القمعى لا يمكنه أن يعيش فى مجتمع لا يخشى السلطة الغاشمة بل يراقب بدقة شديدة كل ما يصدر عن صناع القرار.
والثورات أيضا لا تموت، وهناك من يؤمنون بقضيتها، فيخطئ من يتصور أن الثورة التى لم تحقق أهدافها تموت، فالعكس تماما هو الصحيح، فالثورة التى لا تحقق أهدافاً مثل الحرية والكرامة والعدل الاجتماعى تظل حية مهما تعرضت لعثرات بل تعود أكثر قوة، خصوصا إذا كان التعثر بفعل فاعل.

ورغم أن أسئلة القلقين على الثورة لم تثر قلقى فإن الخطير فعلا هو تسرب اليأس لنفوس بعض المصريين، والحقيقة أن هؤلاء ضحية لحملة إعلامية منظمة تُحمّـِل الثورة مسؤولية الانفلات الأمنى والأوضاع الاقتصادية وتشوه الثوار وتتهمهم بالبلطجة، وليس خافيا على أحد أن رموز هذه الحملة فى الإعلام المكتوب والمرئى كانوا ممن برروا للقهر والفساد فى عهد مبارك، ثم صدقوا أنهم أذكى من شعب مصر، فإذا بهم يطلعون علينا أولا بعد الثورة مباشرة مهللين لها، ثم ها هم يبثون اليوم سمومهم تشويهاً لها وسعياً لوأدها.. فهم يحدثونك عن المدى القصير فيحذرونك من الاحتفال بعيد الثورة الذى سيتحول إلى «مجزرة» تصل عند بعضهم «للحرب الأهلية». أى والله الحرب الأهلية!!

ويحدثونك عن المدى الأطول نسبياً فترى صورة قاتمة من الانفلات الأمنى والفوضى والانهيار الاقتصادى، وكأن مصر كانت فى العهد الذى حمى مصالحهم آمنة تماماً واقتصادها أفضل من اليابان وأروع من سنجام، ولأن هؤلاء لا يستحون فهم لا يقولون لك أبداً إن آخر استطلاع حكومى قبل الثورة قال إن ٩٠% من المصريين لا يشعرون بالأمن! وإن مصر التى تسلمناها من مبارك كانت منهارة أصلاً.

ولأنه لا أمل على الإطلاق فى مخاطبة هؤلاء لأنهم مستعدون لحرق مصر من أجل مصالحهم، فإننى أخاطب من تسلل بعض اليأس لنفوسهم، فأنا أراهن على ذكاء المصريين، فهو الذى أفسد سم هؤلاء زمن مبارك فقامت الثورة رغم تنظيراتهم، وهو الذى سيرفض تجرع سمهم هذه المرة. وأُذكر من دب اليأس فى قلوبهم بأن الثورة المصرية السلمية كانت نتيجتها الأقل دموية وفوضى بين كل الثورات العالمية الكبرى، حتى إن بعض الأجانب يرفضون تسميتها بالثورة، لأنها لم تكن بدموية الثورتين الفرنسية والأمريكية مثلاً! ثم إن سنة فى عمر أى ثورة فترة قصيرة للغاية، فالثورة معناها التغيير الشامل، وهو ما يستحيل تحققه بين ليلة وضحاها، فاحذروا من اليأس والفظوا من يحاولون إعادة مصر للوراء من أجل مصالحهم التى لا يمكن أن تعيش فى نور الحرية والعدل.

وكم كنت أتمنى على المجلس العسكرى أن ينأى بنفسه عن أى ما قد يحمل ولو مجرد شبه بما يفعله هؤلاء، فبدلا من تحذيرنا قبل شهر كامل من مؤامرة- لم يعلن أنه يلاحق أصحابها- ستحدث يوم عيد الثورة، كنت أتمنى أن يعلن المجلس الأعلى يوم ٢٥ يناير عيداً رسمياً لثورة مصر سيحتفل به الجميع وأولهم القوات المسلحة. وكما أثلج صدورنا بإعلان حمايته للكنائس بالاشتراك مع الشرطة فى عيد الميلاد المجيد، كم كنت أتمنى أن يعلن المجلس العسكرى أنه سوف يحمى احتفالات المصريين بثورتهم فى عيدها ويتعهد بالوصول قبل عيد الثورة للمتآمرين الذين حدثنا عنهم، ثم بالضرب بقوة على يد كل من يحاول إفساد احتفال المصريين بعيدهم وتأبينهم لشهدائهم وتكريمهم لمصابيهم.

لكن فى مصر أيضاً آخرون يشعرون بالقلق من أن تتحول مصر إلى دولة دينية، ولهؤلاء أقول إن المفتاح هو الميدان، فليس صحيحاً ما ردده صبحى صالح وآخرون من أن الشرعية انتقلت اليوم من الميدان للبرلمان، فالميدان بشبابه وحيويته سيظل هو الضامن الحقيقى للتوازن فى مصر، وهو لا يفقد شرعيته بوجود برلمان منتخب، فوجود برلمانات منتخبة فى كل الدول الديمقراطية لم يمنع الناس من النزول للشارع للضغط على البرلمان والرئيس، متى وجدوا أن هناك ما يستحق التقويم، وتلك آلية معترف بها فى العالم كله وانتزعها المصريون انتزاعاً، وليس من حق أحد أيا كان حرمانهم منها.

من حق المصريين أن يشعروا بالقلق على ثورتهم وعلى مستقبل بلدهم، لكن من واجبهم حماية الثورة والمستقبل معا، فلا أحد يستطيع أن يحرم المصريين من شىء إلا إذا فرطوا هم فيه طوعاً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق