اخر الاخبار

15‏/01‏/2012

كيف يُصنع التوافق الوطنى حول الدستور الجديد؟ بقلم د.حسن نافعة

جاء نص المادة ٦٠ من الإعلان الدستورى على النحو التالى:
«يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى فى اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال ستة أشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض المشروع خلال خمسة عشر يوما من إعداده على الشعب لاستفتائه فى شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء».
لقد تعرض هذا النص لانتقادات حادة لأسباب عديدة، أهمها:
 ١- أنه أسند مهمة وضع الدستور لجمعية تنفرد السلطة التشريعية وحدها باختيار أعضائها، رغم أن الدستور هو الذى يحدد صلاحياتها وطريقة عملها ضمن تحديده لصلاحيات وطريقة عمل السلطات الأخرى التشريعية والتنفيذية والقضائية، مما يخشى معه ترجيح كفتها على بقية السلطات، وهو أمر معيب. ٢- أنه لم يضع ضوابط أو قيوداً يتعين مراعاتها عند اختيار أعضاء لجنة المائة، مما يخشى معه احتمال اختيارهم ممن ينتمون لحزب واحد، أو لتيار فكرى واحد، أو لجهة أو لمؤسسة أو لمنطقة واحدة، وتهميش الأحزاب أو التيارات أو القوى التى لا تنتمى للأغلبية الفائزة فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

٣- أنه يتضمن جدولاً زمنياً أطول مما ينبغى يتيح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة احتمال استمراره فى السلطة لفترة طويلة، خصوصاً إذا استنفد البرلمان كامل المهلة الممنوحة له لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية، واستنفدت الجمعية كامل المهلة الممنوحة لها للانتهاء من كتابة الدستور الجديد. ولأنه كان يفترض الانتهاء من انتخابات مجلس الشورى فى مارس ٢٠١٢، فلم يكن من المتصور الانتهاء من كتابة الدستور قبل شهر مارس ٢٠١٣ ومن الانتخابات الرئاسية قبل نهاية يونيو من نفس العام.

كنت، ومازلت، على قناعة تامة بأن نص المادة ٦٠ من الإعلان الدستورى يعد أحد الأسباب الرئيسية الكامنة وراء الانشقاقات التى وقعت فى صفوف قوى الثورة، وأفضت إلى أزمات سياسية حادة أوصلتنا إلى حالة من الاحتقان دفعت بالمشير طنطاوى فى النهاية إلى الإعلان عن التزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بنقل السلطة إلى مؤسسات مدنية منتخبة فى موعد أقصاه نهاية يونيو المقبل، والإصرار على إجراء الانتخابات البرلمانية فى موعدها. غير أن أحدا لم ينتبه فى حينه إلى أن الالتزام بتقديم موعد تسليم السلطة على هذا النحو ينطوى فى الواقع على تعديل ضمنى للجدول الزمنى المنصوص عليه فى المادة ٦٠ من الإعلان الدستورى.

فإذا افترضنا جدلاً أن الأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى لن يتمكنوا من اختيار لجنة المائة، لأى سبب كان، إلا قبيل انتهاء مهلة الأشهر الستة الممنوحة لهم، وهو حق دستورى لا يستطيع أحد أن ينتزعه منهم، فمعنى ذلك أنه لن يكون بإمكان الجمعية التأسيسية أن تبدأ فى صياغة الدستور الجديد قبل الموعد الذى حدده المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتسليم السلطة فى نهاية يونيو ٢٠١٢. ولأنه يستحيل تسليم السلطة قبل وجود رئيس جمهورية منتخب، يتعين على المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى هذه الحالة أن يشرع فى بدء الإجراءات الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية فور الانتهاء من الانتخابات البرلمانية دونما انتظار لوجود دستور دائم.

غير أن وضعاً كهذا لابد وأن يثير بدوره إشكاليات وتعقيدات من نوع جديد. فالإقدام على انتخاب رئيس للجمهورية قبل وجود دستور دائم للبلاد معناه أن الرئيس الجديد لمصر سينتخب على أساس السلطات والصلاحيات المنصوص عليها فى الإعلان الدستورى، وهى واسعة جدا. فإذا افترضنا جدلاً أن الجمعية التأسيسية ستقرر اعتماد النظام البرلمانى بدلا من النظام الرئاسى الحالى، فمعنى ذلك أن الرئيس المنتخب سيصبح، دستوريا، بلا سلطات فعلية رغم ترشحه وانتخابه وفق إعلان دستورى يمنحه صلاحيات رئاسية كاملة! وحتى بافتراض إمكانية حل هذه الإشكالية من خلال ترتيبات مؤقتة، فستظل العلاقة بين مؤسسات الدولة مختلة إلى أن تجرى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة وفقاً لما يقضى به الدستور الدائم.

كان على المجلس الاستشارى، عندما طرحت عليه هذه الإشكاليات، أن يسلك أحد سبيلين،

الأول: أن يستخلص بنفسه تصورا لطريقة حلها، مصحوبا بتوصيات يرفعها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

والثانى: أن يتشاور مع جميع القوى السياسية للتوصل إلى حل توافقى يدعمه ويرفعه للمجلس الأعلى. وقد استقر الأمر، عقب نقاش جاد، على اختيار السبيل الثانى وقرر تكليفى بإدارة هذا الملف، بمعاونة كل من الدكتور شريف زهران والدكتور عبدالله المغازى، الأمينين المساعدين فى المجلس، وهما من شباب الثورة، واستكشاف إمكانية الوصول إلى صيغة توافقية تسمح بالانتهاء من صياغة دستور جديد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية.

دعونا نتفق أولاً على أن صناعة توافق وطنى يتيح لمصر أن يكون لديها دستور دائم مستفتى عليه ورئيس جمهورية منتخب قبل نهاية شهر يونيو القادم، هى مسؤولية وطنية كبرى لا يستطيع أن ينهض بها منفرداً شخص أو حزب أو تيار أو حتى مؤسسة، مهما بلغ حجمه ووزنه. لذا يتعين عدم تضييع الوقت فى جدل عقيم حول: «من يصنع التوافق؟» وأن ندخر الجهد لحوار حول: «كيف يصنع هذا التوافق؟»، لأنه الأكثر أهمية وفائدة. ولأن الوقت المطلوب لصناعة هذا التوافق محدود جدا، فقد شرعت على الفور فى إجراء مشاورات تمهيدية مع القوى السياسية الفائزة فى الانتخابات البرلمانية، كنقطة انطلاق. وقد أمكن حتى الآن:

 ١- ترتيب اجتماع منفصل مع الدكتور عصام العريان، ممثلا عن حزب «الحرية والعدالة»، حضره الدكتور وحيد عبدالمجيد، المنسق العام للتحالف الديمقراطى.

٢- اجتماع مشترك، تم فى مقر المجلس الاستشارى، حضره كل من الدكتور عماد الدين عبدالغفور، رئيس حزب النور، والدكتور أحمد سعيد، رئيس حزب «المصريون الأحرار».

 ٣- إجراء اتصال هاتفى مطول مع الدكتور السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، بعد أن تعذر عقد اللقاء بسبب تضارب المواعيد، وجمعتنى لقاءات ثنائية، بعضها دون ترتيب مسبق، مع أعضاء فى البرلمان المنتخب من المستقلين أو الحزبيين.

طرحت على كل من التقيت بهم أو تحدثت إليهم تصوراً لطبيعة الإشكالية التى تحتم على الجميع تحمل مسؤولياتهم لصناعة توافق وطنى، يتضمن: ١- تحديد موعد أقصى لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية، يفضل ألا يتجاوز أسبوعين على الأكثر من تاريخ بدء الاجتماع المشترك للأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى.

 ٢- تحديد موعد أقصى للانتهاء من كتابة الدستور، يفضل ألا يتجاوز شهرين من تاريخ بدء الجمعية التأسيسية عملها.

٣- انتخاب رئيس الجمهورية فى موعد يسمح بتسليم السلطة فى موعد أقصاه نهاية يونيو ٢٠١٢ وفقاً للصلاحيات المنصوص عليها فى الدستور الجديد. وتبين لى من حصيلة هذه المشاورات وجود اتفاق مبدئى بين جميع القوى حول عدد من القضايا الرئيسية، أهمها:

١- حتمية تسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية منتخبة فى موعد أقصاه نهاية شهر يونيو المقبل.

 ٢- التسليم بأهمية الانتهاء من كتابة الدستور والاستفتاء عليه قبل انتخاب رئيس للجمهورية، مع إمكانية البدء فى الوقت نفسه بإجراءات انتخاب الرئيس بالتوازى مع عمل الجمعية التأسيسية.

٣- ضرورة أن تكون الجمعية التأسيسية ممثلة للمجتمع المصرى بكل أحزابه السياسية وتياراته الفكرية ومؤسساته الدينية والمدنية ونقاباته العمالية والمهنية.. إلخ.

فإذا أضفنا إلى ما سبق ما تحقق بالفعل من اتفاق حول وثيقة الأزهر لأدركنا أننا أمام مشهد يسمح بصناعة توافق حقيقى لإخراج مصر من مأزقها الراهن.

الاتفاق على هذه المبادئ العامة يعنى أن نصف الطريق نحو وفاق وطنى عام للخروج من المأزق بات ممهداً، بقى أن نمهد للنصف الآخر بالعمل على:

١- إيجاد آلية تسمح بالتوافق حول قائمة بأسماء «لجنة المائة». وبدلا من تضييع الوقت فى جدل حول كيفية ترجمة الضوابط والمعايير العامة إلى «حصص»، يمكن لكل حزب من الأحزاب الرئيسية فى البرلمان أن يبدأ منذ الآن فى إعداد قائمة كاملة بهذه الأسماء، وبمضاهاة القوائم يسهل استخراج الأسماء التى عليها إجماع ثم تصفية الأسماء الخلافية وفق معايير يسهل الاتفاق عليها إلى أن تكتمل قائمة توافقية تصبح جاهزة للإقرار فى أول اجتماع مشترك لمجلسى الشعب والشورى.

٢- آلية تسمح للجنة التأسيسية بالانتهاء من كتابة الدستور خلال أقصر فترة زمنية ممكنة، وبحد أقصى شهران، وهو ما يتطلب اتفاقا على عدد من الأمور ربما يكون من أهمها:

أولا: الإبقاء على نص المادة الثانية من دستور ٧١ كما هو دون تغيير،

ثانيا: أن يكون النظام السياسى المصرى نظاماً مختلطاً يجمع بين سمات النظامين البرلمانى والرئاسى،

ثالثا: تكليف لجنة من فقهاء القانون الدستورى باختيار نص دستورى جاهز أو صياغة مشروع دستورى جديد، يمكن البدء فى إعداده منذ الآن، يوضع تحت تصرف اللجنة التأسيسية لتضيف إليه أو تحذف منه ما تشاء.

لا أظن أننى فى حاجة إلى التأكيد مرة أخرى على أن العثور على حلول فنية توافقية لأعقد المشكلات السياسية هو أمر سهل، شريطة توافر إرادة سياسية لصنع التوافق. ولأن الإرادة السياسية للتوافق لا تتوافر إلا فى ظل توافر حسن النية من جانب قوى سياسية تدعى أنها تسعى لصنع التوافق الوطنى، أظن أنها أصبحت الآن أمام امتحان حقيقى. فهل تنجح فيه؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق