اخر الاخبار

20‏/01‏/2012

خالد مشعل نموذجاً بقلم د.حسن نافعة

إذا صح ما تناقلته بعض وكالات الأنباء عن اعتزام خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الفلسطينية «حماس»، عدم ترشيح نفسه لرئاسة المكتب السياسى للحركة لدورة قادمة، فسنكون أمام قرار فريد من نوعه. ولأنه قرار رشيد وشجاع ومسؤول أعتقد أنه يستحق أن نشيد به وأن نتوقف عند دلالاته.
ويبدو أن رياح التغيير فى العالم العربى بدأت تؤتى بعضا من ثمارها، وأصبحت تمارس تأثيراً فاعلاً، ليس فقط على الحالة المجتمعية السائدة فى هذه المنطقة من العالم، التى باتت مهيأة لتغييرات كبرى وحقيقية، وإنما على عقلية النخب الحاكمة أيضاً، التى ربما تكون قد أصبحت ناضجة ومهيأة للتفاعل الإيجابى مع رياح التغيير التى تهب الآن بشدة.
ترحيبى بقرار خالد مشعل، الذى أتيح لى أن ألتقى به عدة مرات فى حوارات مطولة، لا يعود إلى عدم اقتناعى بأهلية خالد مشعل لقيادة حركة المقاومة الفلسطينية، فالواقع أنه جدير بها، وليس إنكارا لحجم الإنجازات التى حققتها الحركة تحت قيادته، فالواقع أن الحركة حققت إنجازات يعتد بها تحت قيادته، وفرضت نفسها على الواقع الفلسطينى، وحظيت بثقة الأغلبية فى انتخابات حرة وديمقراطية..

وإنما يعود أساساً إلى التأثيرات الإيجابية المحتملة لهذا القرار على مستقبل القضية الفلسطينية، فهو قرار يفتح الباب واسعا أمام إمكانية تجديد دماء النخبة، ويحول دون تكلس مواقع القيادة فى كل المؤسسات الفلسطينية - المرض العضال الذى عانت منه الحركة الوطنية الفلسطينية طويلا، خصوصا تحت قيادة «ياسر عرفات».

فكلنا يعلم كيف كانت حركة فتح، حين انطلقت بقيادة «ياسر عرفات» فى بداية عام ١٩٦٥، فتية، وكيف كان برنامجها للكفاح المسلح واعدا ومؤهلا لقيادة النضال الفلسطينى، خصوصاً بعد هزيمة الجيوش العربية النظامية فى حرب ٦٧، غير أن بقاء «عرفات» على رأس فتح ثم على رأس منظمة التحرير لفترة طويلة اقتربت من نصف قرن، كان من بين أهم العوامل التى ساعدت على شيوع الفساد داخل الاثنتين معا وإصابتهما بالترهل ثم بالعجز عن القيام بالمهام الموكلة إليهما من جانب الشعب الفلسطينى، مما مهد الطريق لظهور حركات أخرى منافسة، أو بديلة، أقل فساداً وأكثر قدرة على قيادة النضال الفلسطينى، كان من بينها حركة حماس، التى رجحت كفتها فى النهاية، وأصبحت تدريجياً هى التنظيم الأقوى والأكثر فاعلية على الأرض. ولا جدال فى أن قرار «مشعل» بعدم الترشح لقيادة حماس لدورة أخرى - إن صح ما تناقلته وسائل الإعلام - قد يجنبها مصير حركة فتح، ويساعدها على تدارك أخطائها، والعمل على تصحيحها فى الوقت المناسب.

وفى تقديرى أن تأثيراته المحتملة لقرار خالد مشعل، إن تم تنفيذه بالفعل، لن تقتصر على حركة حماس، وإنما ستمتد حتما إلى مجمل الأوضاع الفلسطينية، ومنها إلى مجمل الأوضاع العربية. فإذا ما قرر الرجل فعلاً عدم ترشيح نفسه فى الدورة القيادية القادمة لحركة حماس فسيصعب جداً على محمود عباس وعلى آخرين من الرعيل الأول لقيادات فتح أن يصروا على الاحتفاظ بمواقعهم القيادية فى منظمة التحرير الفلسطينية، التى طالت بأكثر بكثير مما ينبغى، وهو ما قد يؤدى، إن حدث، إلى فتح الباب أمام تجديد النخبة الفلسطينية برمتها، وبالتالى فتح آفاق جديدة وواعدة أمام الحركة الفلسطينية.

لقد اعتاد كل حاكم عربى، حتى وإن وصل إلى موقعه مصادفة أو بانقلاب عسكرى أو لا يملك أى مقومات تؤهله للقيادة لأى سبب من الأسباب، أن يعتبر نفسه الزعيم الملهم الأوحد، الذى لم يخلق الله له مثيلاً. ولو كان قادة الدول العربية يمتلكون حقاً خصائص ومقومات الزعامة لما كانت لديهم حاجة إلى ترسانة الأجهزة والقوانين القمعية التى استخدموها لإرهاب شعوبهم، فهذه الأجهزة الوحشية والقوانين الظالمة هى وحدها التى مكنتهم من البقاء فوق القمة، ليحولوا بلادهم إلى أكوام من الخرائب، صنعوها بأنفسهم. فهل نطمع فى أن يقلد حكام عرب آخرون، من أمثال بشار الأسد، خالد مشعل؟

أظن أن بوسع بشار الأسد أن يقدم خدمة كبيرة لشعبه وللأمة العربية كلها إن اتخذ قراراً شجاعاً بعدم ترشيح نفسه لفترة رئاسية قادمة وطلب من الجامعة العربية ومن المجتمع الدولى معا أن يشرفا على عملية إصلاحية جادة تنتهى بتداول حقيقى للسلطة خلال عام أو عامين. آمل أن يفيق الرئيس بشار من غفوته ويزيح الغشاوة عن عينيه، فلن يستطيع أن يقهر شعبه إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق