اخر الاخبار

12‏/02‏/2012

هل يمكن إصلاح الشرطة؟ بقلم د. محمد أبوالغار

مصر فى مأزق كبير، ولا يوجد حل واضح عند الجميع للخروج من هذه الأزمة الكبيرة. لا أحد يريد أن تستشهد أعداد أخرى من الشباب الرائع، ولا أحد يريد أن تسقط الدولة المصرية أو تتفكك، لكن ما العمل؟ هناك أفكار كثيرة طرحت وبعضها جيد، لكن يبدو أن هناك قوى لها مصالح خاصة أضيرت بشدة بعد الثورة، ويبدو أن حجم هذه القوة،

وكم الفساد الهائل الذى تمارسه وقدرتها على استخدام العنف والقسوة كبير إلى درجة لم يتصورها أو يتخيلها أحد. هذه القوى المضادة للثورة كبيرة جداً ومتشعبة جداً ولها مفكرون ومخططون يريدون إحباط الشعب وتخوينه، وهناك نوع آخر من المجرمين يخططون لعمل مشاكل متتالية فى حياتنا اليومية، وزيادتها صعوبة كما يحدث فى توزيع البوتاجاز مثلاً،

 وهناك مجموعة كبيرة من المجرمين المحترفين، الذين كانوا يعملون ضمن نظام مبارك وجميع أعوانه، خاصة حول مجموعة جمال مبارك من المليارديرات. هذه المجموعة كانت تستخدم أعداداً ضخمة من البلطجية، الذين قد يبدو بعضهم على هيئة رجال أعمال أو من كبار المستوردين،
 وقد أصبحوا بطرق السرقة والنهب واستخدام النفوذ واتخاذ قرارات حكومية لصالحهم تهيئ لهم فرص الاحتكار- من كبار الأغنياء، والتفت حولهم طبقات من الفاسدين لا حصر لها بدءاً من زعيم العصابة إلى البلطجى الصغير. هذه المجموعات الضخمة كان لها اتصال وثيق مع مناطق النفوذ فى مصر، ومن أهمها وأكثرها جهاز الشرطة شديد الضخامة،

 والمتشعب عبر أجهزة متعددة تصل إلى كل خرم إبرة فى مصر، وقد استطاع هذا الجهاز الذى كان يتمتع بحصانة كبيرة ضد أى محاسبة أن يغطى تماماً كل الأفعال الإجرامية للعصابات الكبيرة. كانت لهذه الشبكة الرهيبة من الفاسدين علاقات متشعبة فى المناطق الحساسة فى مصر بدءاً من بعض رجال النيابة والقضاء وتعيين عدد من الوزراء والمسؤولين التابعين لهم، الذين يصدرون القرارات لصالحهم،

ولهم فى كل مؤسسات الدولة رجال يساعدونهم فى المطارات وفى الجمارك وفى الضرائب، وكان التابعون لهم ينالون مساعدات ورشاوى مرئية أو غير مباشرة، ووصل الأمر إلى سن قوانين خاصة فى البرلمان لتساعدهم على تسهيل أعمالهم.

لقد تصورنا أنه بعد الثورة سوف تندثر هذه العصابات وتتحلل وتختفى تحت الأرض، خوفاً من المحاسبة من النظام الجديد، لكن يبدو أن ذلك كان وهماً وبراءة من الثوار الذين يريدون أن يبنوا مصر بناء حديثاً نظيفاً، وكان من أسباب ذلك أن المجلس العسكرى وهو الحاكم الحقيقى لمصر لم يكن يريد أن يقوم خلال الفترة الانتقالية التى خطط لكى تطول عدة سنوات بحلول جذرية، بالقضاء على هذه العصابات وتحجيمها، والجميع كان يعلم أن الشرطة كانت جزءاً محورياً وأساسياً فى ربط وتنظيم الفساد فى مصر،

 فترك المجلس العسكرى الشرطة دون أى محاولة للإصلاح، وفوجئ ضباط الشرطة بأوضاع جديدة عليهم فلم يعد أحد يخاف منهم أو يقدم لهم احتراماً مبالغاً فيه بل بالعكس تعمد الكثير من البسطاء فى الشارع الانتقام من الشرطة بالتعامل مع الشرطة بغلظة ربما تصل إلى حد التعدى عليهم،

 وفى نفس الوقت وجد ضابط الشرطة نفسه فى وضع اقتصادى سيئ، فكان الضابط مثلاً يخدم فى جامعة القاهرة، ويتقاضى مكافأة من الجامعة أكبر بكثير من راتبه، الآن توقف ذلك وكان الكثير من الضباط وأمناء الشرطة يفرضون إتاوات على المقاهى وأصحاب المحال وعربات الميكروباص،

 وكان الكثير منهم يتسوق مجاناً من المنطقة التابعة له، وفى المناطق الأثرية وهى واسعة وكبيرة كانت العلاقة التى تحكم الشرطة بمهربى الآثار هى السبب الرئيسى فى نجاح تهريب الكم الأكبر من الآثار.

كل ذلك توقف الآن ووجدت الشرطة نفسها فى وضع لا تحسد عليه، قياداتها السابقة فى طرة تحاكم وحكم على بعضها بالفعل والباقى تتم محاكمته، ظروفهم المعيشية والنفسية سيئة، ولذا توقفوا عن العمل بجدية، وزاد الأمر سوءاً هو عدم قدرتهم على استخدام التقنيات الحديثة فى عالم الجريمة، فطريقتهم التقليدية فى ضرب الجميع حتى يعترفوا سواء كانوا مجرمين أم أبرياء لم تعد تصلح.

كل ذلك ساعد على تفشى الفوضى، وتوجد دلائل على تورط بعض عناصر الشرطة فيما يحدث الآن بشكل مباشر أو غير مباشر.

إذاً علينا أولاً وحتى تهدأ الأمور أن نجد حلاً عاجلاً لا يمكن تأخيره فى حل المشكلة الأمنية المتفاقمة، فلا يمكن مثلاً أن تحدث مجزرة بورسعيد التى اشترك فيها عشرات المسلحين بخطة مدبرة، ثم تم ذلك دون أن يعرف ذلك مسبقا ضابط أو عسكرى مباحث واحد فى بورسعيد. إن هذا العمل الهمجى شاهده الجميع قبل حدوثه وتوقعه الكل، فأين جهاز الشرطة؟ بالتأكيد هناك تواطؤ،

 هناك إهمال وهناك شخصيات وراء ترتيب هذه الكارثة. لابد من تحقيق سريع وفورى وحقيقى ليس مجرد القبض على بعض المراهقين من الشارع. أين الرأس المدبر؟ أين القتلة الحقيقيون؟

من هو الضابط الذى كان يعرف ولم يفعل شيئاً؟ التحقيق السريع والمحاكمة العادلة أول شىء واجب، ودون ذلك لن ينصلح حال الشرطة، ولن يعود الأمن.

ثم تأتى خطوات لبناء جهاز الشرطة مبنية على عدة محاور أولها إبعاد كبار الفاسدين، ثم إعادة تدريب الضباط على الطرق الحديثة فى البحث الجنائى، ورفع روحهم المعنوية ورفع رواتبهم، لأنهم سوف لا يتقاضون إتاوات بعد اليوم.الأمر ليس سهلاً، لكن لا وقت للتأخير
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق