اخر الاخبار

01‏/02‏/2012

سوء فهم أم سوء نية؟ بقلم د.حسن نافعة

تحدثت أمس عن محاولة جرت لتشويه ما طرحته فى مقالى الذى نشر يوم الأحد الماضى تحت عنوان «لماذا لا يقدم المشير استقالته من أجل مصر؟»، وشرحت تفصيلا كيف وصلت إلى علمى أنباء تلك المحاولة، التى سببت لى ولأصدقائى انزعاجاً كبيراً. وكنت قد اقترحت فى مقالى المشار إليه مخرجاً للأزمة السياسية التى تعصف بمصر حاليا، يرتكز على ثلاثة عناصر رئيسية.
أولها: قيام المشير طنطاوى بتقديم استقالته، إيثارا للمصالح العليا للوطن وللسماح بفتح الطريق لحل دستورى يحفظ لكل الأطراف كرامتها، وثانيها: تولى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، مؤقتا، منصب رئاسة الجمهورية، على أن يشرف خلال فترة رئاسته على صياغة دستور جديد للبلاد، وفقا للترتيبات المنصوص عليها فى الإعلان الدستورى، وعلى انتخابات رئاسية تجرى وفقا للصلاحيات المنصوص عليها فى الدستور الجديد بعد استفتاء الشعب عليه، وثالثها: تولى رئيس الجمهورية المؤقت، بصفته رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة بحكم منصبه، رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى يتعين أن يواصل دوره السياسى فى تلك المرحلة لاعتبارات تتعلق بالمحافظة على استقرار مصر الداخلى، من ناحية، وعلى أمنها الوطنى من ناحية أخرى.
غير أن بعض وسائل الإعلام انتهز فرصة وجود خطأ مطبعى أدى إلى سقوط كلمة «القضاء» من عبارة تتحدث عن «المجلس الأعلى» ليستخلص من مقال الأحد نتيجة مناقضة تماما، راح يبثها بكثافة على شبكات التواصل الاجتماعى تحت عنوان: «حسن نافعة يقترح أن يتولى المشير منصب رئيس الجمهورية». ولأن كثيرين، بمن فيهم أصدقاء وتلاميذ مخلصون، تعاملوا مع هذا الاستنتاج المغلوط، والمناقض تماما لما توصلت إليه، باعتباره خبرا أو تصريحا أدليت به مباشرة، فقد أصيبوا بانزعاج كبير وطالبونى بإيضاحات.

والآن، وبعد أن أوضحت مضمون الاقتراح الذى طرحته فى مقال الأحد الماضى، أود أن أتوقف هنا قليلا عند الأسباب التى دفعتنى إلى طرحه والتى تتلخص فى ثلاثة:

 ١- وجود أزمة ثقة، تبدو مستعصية، بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، باعتباره المسؤول السياسى عن إدارة المرحلة الانتقالية، وقطاعات متزايدة من الجماهير، خاصة من الشباب، وهو ما لمسته بنفسى حين قمت بزيارة مطولة للميدان يوم ٢٥ يناير الماضى.

 ٢- استحالة تجاوز الأزمة الراهنة من خلال مقترحات متطرفة، تطالب بـ«إسقاط حكم العسكر» دون تمييز بين المجلس الأعلى الحالى للقوات المسلحة، الذى اصطفاه الرئيس المخلوع بنفسه وصنعه على عينيه، وبين المؤسسة العسكرية المصرية، التى هى مؤسسة وطنية بامتياز يتعين الحفاظ عليها ومراعاة حساسية وضعها وموقفها.

٣- الحاجة إلى التوفيق بين اعتبارين متعارضين، الأول: قصر الفترة الزمنية المتبقية على الموعد الذى التزم به المشير طنطاوى لتسليم السلطة، وهو موعد قد لا يسمح بالانتهاء من كتابة الدستور قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والثانى: وجود رغبة عارمة فى أن تتم كتابة الدستور تحت رعاية رئيس مدنى بعيدا عن تدخل «العسكر».

 ٤- استحالة نقل السلطة إلى رئيس «مدنى» بطريقة متحضرة دون إعلان عن خلو منصب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى حل محل رئيس الجمهورية وفقا للإعلان الدستورى المطبق حاليا، ومن هنا مطالبتى باستقالة المشير.

إقدام المشير طنطاوى على تقديم استقالته طواعية يمكن أن يفتح بابا للخروج من الأزمة السياسية الراهنة فى مصر إذا توافرت الشروط التالية:

١- التسليم بوجود إشكالية دستورية تتطلب انعقادا فوريا للمحكمة الدستورية للبت فيها.

 ٢- صدور حكم من هذه المحكمة يأخذ علما بخلو منصب رئيس الدولة، الذى هو فى الوقت نفسه رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويقر بأن اعتبارات المواءمة السياسية تقضى فى الظروف الحالية بتولى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، مؤقتا، منصب رئيس الجمهورية، وبأن على الرئيس المؤقت أن يدير البلاد من خلال المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وفقا لما ينص عليه الإعلان الدستورى، إلى أن يتم الاتفاق على دستور جديد يقره الشعب فى استفتاء عام، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ولأن هذه هى الطريقة الوحيدة التى تضمن، من وجهة نظرى المتواضعة، نقلا فوريا للسلطة مع المحافظة فى الوقت نفسه على كرامة ودور المؤسسة العسكرية المصرية التى لعبت دورا مهما فى تأمين الثورة فى مرحلتها الأولى، فقد اعتقدت أنها يمكن أن تشكل مخرجاً مقبولاً لمصر من أزمتها السياسية الراهنة.

لكن لماذا حاول البعض تشويه ما طرحته على هذا النحو بدلا من مناقشته مناقشة موضوعية؟!..

 هذا ما سأحاول إلقاء الضوء عليه غدا بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق