اخر الاخبار

09‏/02‏/2012

الطريق إلى «الدولة الفاشلة» بقلم د. عمرو الشوبكى

الدولة الفاشلة» مصطلح سياسى يختلف عن الدولة المستبدة أو غير الديمقراطية، فهو يعنى أنه بصرف النظر عن النظام السياسى الموجود، سواء كان ديمقراطياً أو غير ديمقراطى، ثورياً أو غير ثورى، فإن إدارة مؤسسات الدولة تتسم بانعدام الكفاءة والفساد وسوء الإدارة، وهو ما يصيب أى تجربة تحول ديمقراطى بالفشل.
وقد وضع هذا المصطلح أسساً جديدة للمقارنة بين الدول المختلفة، تتجاوز الفارق بين دول ديمقراطية وغير ديمقراطية لتصل إلى مفهوم أكثر شمولاً وعمقاً سُمّى «الدولة الفاشلة»، وتضمن رصداً لأداء مؤسسات الدولة وشرعيتها وقدرتها على فرض هيبة القانون، وحجم كفاءتها السياسية والاقتصادية.

والحقيقة أن أسوأ ما يهدد مصر ليس حكم المجلس العسكرى لأنه حكم مؤقت، ورحيله بات مؤكداً فى غضون شهرين أو ثلاثة على الأكثر، ولا أن يختار الشعب الإخوان أو الليبراليين ليحكموه، إنما فى قدرة هذا الحكم على التعامل مع إرث مبارك فى الدولة الفاشلة فى الأمن والتعليم والصحة والقضاء، وفى العلاقات المدنية - العسكرية، فيما عرف فى تجارب النجاح بـ«الإصلاح المؤسسى»، وغاب عن مصر لصالح خطاب ثورى لا علاقة له بالواقع (تحول لدى البعض إلى نوع من الوجاهة الاجتماعية لأنه بلا ثمن)، وخطاب شديد المحافظة قد يغير فقط فى قشرة تركة مبارك لكنه غير قادر على إجراء أى إصلاحات جراحية ولو متدرجة فى بنية مؤسسات الدولة شبه الفاشلة، لتصبح مصر أمام خطر حقيقى يتمثل فى إعادة إنتاج النظام القديم ولو فى قالب جديد.

وقد عرف العالم دولاً شهدت انتخابات ديمقراطية، وبعضها فتح باباً لتداول السلطة، ومع ذلك اعتبرت دولاً فاشلة من حيث المعايير السابقة، ولعل المثل الكاريكاتورى المضحك المبكى هو الصومال، التى احتلت المركز الأول بين الدول الأكثر فشلاً فى العالم رغم أن فيها رئيساً قيل إنه منتخب وحل مكان رئيس سابق، وبها برلمان يقال إنه يجتمع، كل ذلك لم يُخف أو يوقف انهيار مؤسسات الدولة الكامل وغيابها العملى عن حياة المواطنين فى ظل حرب أهلية عصفت بكل شىء: الدولة والبشر، ونسيها العرب والعالم حتى باتت مهددة بخطر التحلل والفناء.

والعراق بدوره نموذج آخر للدولة الفاشلة، فهو يحتل المركز الخامس وسط ترتيب يضم ١٧٧ دولة فى تقرير أصدرته مجلة «السياسة الخارجية - Foreign Policy» الأمريكية الشهيرة، وجاء الثالث عربياً بعد الصومال والسودان، رغم أنه يعرف انتخابات ديمقراطية وُصفت بـ«النزاهة» من دول كثيرة، ولكن نتيجة جريمة «بريمر»، الحاكم الأمريكى لعراق ما بعد صدام حسين، حين قام بحل الجيش ومؤسسات الدولة، دُمرت الدولة والمجتمع العراقى بصورة لم تفلح حتى الآن الانتخابات الديمقراطية فى مواجهتها.

وهناك أيضاً خبرات أخرى ذهبت فى هذا الاتجاه، مثل تجربة باكستان التى عرفت منذ انفصالها عن الهند نظماً ديمقراطية وقادة سياسيين كباراً مع انقلابات عسكرية وجنرلات لعبوا على مثالب السياسيين وأخطائهم. ورغم أن القوى والأحزاب السياسية فى باكستان نجحت فى إسقاط الحكم الديكتاتورى لبرويز مشرف وتأسيس ديمقراطية جديدة سرعان ما اكتشف الجميع أنها ورثت دولة فاشلة مليئة بالفساد أداؤها متدهور لدرجة كبيرة، فبدلاً من أن تواجه الحكومة المنتخبة ديمقراطياً تداعيات الدولة الفاشلة كرستها ولم تتقدم بالبلاد خطوات تذكر للأمام.

أما بلد مثل المكسيك فقد عرف تحولاً ديمقراطياً من داخل النظام ومن قلب الحزب الحاكم، بعد أن ظل فى الحكم ما يقرب من ٧٠ عاماً إلى أن قرر منذ نهاية الألفية الثانية أن يحول البلاد نحو النظام الديمقراطى، وخسر موقعه فى الحكم بعد انتخابات ديمقراطية ليتسلم النظام الديمقراطى الجديد دولة فاشلة غاب عنها القانون وانهارت فيها مؤسسات الدولة، حتى عمت الرشوة والفساد وانعدام الكفاءة، واضطرت الحكومة الحالية إلى أن تفصل العام الماضى ما يقرب من ١٠% من رجال الشرطة نتيجة دورهم النشط فى خدمة المافيا وعصابات الجريمة المنظمة، وهى نسبة لم تحدث فى تاريخ أى دولة فى العالم، ورغم ذلك هناك شكوك حقيقية فى قدرة الحكومة الديمقراطية على تطهير جهاز الشرطة الذى لا يتقاعس فقط عن مواجهة عصابات الجريمة المنظمة إنما يشارك فيها بحيوية وفاعلية مشهود له بها فى كل بلاد أمريكا اللاتينية، وفشلت الديمقراطية فى بناء دولة قانون فى المكسيك رغم أنها نجحت جزئياً فى البرازيل.

أما الحالة المصرية فقد احتلت، وفق نفس التقرير الصادر مباشرة قبل الثورة، مركزاً مقلقاً وسط هذه القائمة وهو الـ٤٠، حيث اكتست الدول الـ٣٥ الأولى باللون الأحمر فى إشارة إلى أن هذه الدول دخلت المرحلة الحرجة، ثم الدول من ٣٦ إلى ١٣٧، حيث تقع مصر، اكتست باللون البرتقالى وهى مرحلة الخطر، ثم الدول من ١٣٨ إلى ١٦٢ وهى المرحلة المتوسطة، ومن الدول ١٦٣ حتى ١٧٧ باللون الأخضر وهى مرحلة الأمان. والحقيقة أن مصر دخلت فعلاً مرحلة الخطر، وخطورة هذه المرحلة أن أى إصلاحات سياسية وديمقراطية لن تأتى بثمارها ما لم تقم بما يعرف بالإصلاح المؤسسى والجراحى لكل هياكل ومؤسسات الدولة.

والحقيقة أن حالة عدم الاستقرار السياسى وتصاعد حدة الاستقطاب بين التيارات المختلفة تجعل هناك صعوبة للقيام بأى إصلاحات وتجعل تيارات الأغلبية مرتاحة (وربما غير قادرة) للعمل مع نفس مؤسسات الدولة القديمة فى ظل وضع صعَّب على الكثيرين القدرة على تقديم أى برنامج إصلاحى حقيقى، خاصة مع تصاعد المطالب الفئوية وفشل الإدارة السياسية للمجلس العسكرى والحكومة، وغياب أى برنامج إصلاحى يعطى أملاً للناس فى المستقبل فيجعلهم يضحون جزئياً بالحاضر لصالح شراء المستقبل.

إن المسار الذى دخلنا فيه يحتاج إلى مراجعة جذرية حتى نفلت من مصير الدولة الفاشلة، وسيبدأ بإجراء توافقات سياسية حقيقية وتفعيل دستور ٧١، أو وضع دستور مؤقت مستلهم منه، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ووضع خطة لإعادة هيكلة كل مؤسسات الدولة بشكل جراحى مهما كان الثمن، فعلينا ألا ننسى أن الفشل الأمنى وضحايا مجزرة بورسعيد هم جزء من معادلة أكبر اسمها «الدولة الفاشلة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق