اخر الاخبار

10‏/02‏/2012

نحو مصالحة وطنية بقلم د. منى مكرم عبيد

جاءتنى ردود فعل متباينة بين التيارات والقوى السياسية على مقالى السابق عن «المصالحة الوطنية والحاجة الملحة إليها»، ما بين معارض ومؤيد، فبينما اعتبرنى البعض ممن أكن لهم كل التقدير والاحترام مفرطة فى التفاؤل وداعية لمصالحة وتوافق وطنى ليس هذا وقته ولا أوانه، قبل تحقيق الأهداف الرئيسية للثورة التى يسود شعور لدى البعض بأنها لم تستكمل أهدافها بعد مرور عام على اندلاعها، مبررين ذلك الرفض التام للحوار بأنهم أعطوا فرصا كافية للمجلس العسكرى الذى يدير شؤون البلاد ولم يستجب لمطالبهم حتى زادت روح الشك لدى هذا الفريق، فأصبح مغاليا فى رفضه كل أشكال الحوار، وضرورة الإسراع أولاً بتسليم السلطة لرئيس منتخب ووضع دستور جديد لمصر.. فإن البعض الآخر يرى - ولهم أيضا فى نفسى مكانة، رغم اختلافى معهم فكريا وأيديولوجيا - أننى محقة فى الدعوة للمصالحة الوطنية على مرجعية واحدة وهى وثيقة الأزهر الشريف، والتوافق على بناء دولة المواطنة وحقوق الإنسان التى تحقق أهداف الثورة، من حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.
وأصحاب هذا الفريق يرون أنه ليس من الحكمة استمرار الهجوم على المؤسستين العسكرية والقضائية، والتشكيك فيهما، رغم أن شباب الثورة بكل تصوراته وهواجسه وطموحاته للمستقبل الأفضل هو من أعطى تلك الثقة لهاتين المؤسستين، واعتبرهما حاميتين للثورة وضمانتين لنجاحها.. وهو الشباب الثائر نفسه الذى احتفى بى على منصة الأزهر الشريف فى ميدان التحرير، مما يدل على أنه شباب واع ومثقف يبحث عن قيادات محترمة وقدوة ومثل يحتذى به.. وهم شباب متحمسون للالتفاف حول أفكار الشخصيات التوافقية التى لا يزايد أحد على مواقفها وتاريخها الوطنى.

وأقول للفريق الأول، الذين يعارضون دعوتى للمصالحة فى هذا الوقت بالذات: إننى أقدر تماماً موقفكم المتمسك برفض الحوار، بسبب روح الاحتقان والتوتر السائدة فى الوقت الراهن وروح التشكيك وعدم الثقة بين بعض التيارات السياسية، خاصة شباب الثورة من جهة والمجلس العسكرى من جهة أخرى، على خلفية العنف الذى جرى فى التعامل مع بعض الاعتصامات السلمية، وكذلك تحويل المدنيين لمحاكمات عسكرية واستمرار التباطؤ فى محاكمات رموز الفساد فى النظام السابق.

ولكن.. هل يعنى ذلك تهميش دور المؤسسة العسكرية وعزلها عن الحياة العامة نهائيا والانتقاص من هيبتها والتجاوز اللفظى فى نقدها، مما يجرّ على البلاد سيناريوهات بديلة - وقى الله مصر شرها؟.. وقد رأينا تجارب دول شقيقة وصديقة، خصوصا الأفريقية منها، عانت ومازالت تعانى من خطر الانقلابات العسكرية عقب صراع المدنيين على السلطة وتمسك كل طرف برأيه دون الوصول لقواسم مشتركة تضمن استمرار مؤسسات الدولة الدستورية فى عملها وعدم انهيار الاقتصاد القومى للبلاد، نتيجة توقف عجلة الإنتاج وهروب المستثمرين، فيتدخل العسكريون بحجة الاستقرار والحفاظ على الدولة وأمنها القومى، وقد يجدون مبررا لذلك مثل رد العدوان الخارجى المحتمل..

وبعيدا عن هذا السيناريو الذى لا نتمنى حدوثه، فإن على شركاء الوطن الواحد وأبناء ثورة ٢٥ يناير المجيدة أن يدركوا أن القواعد التى تقوم عليها المؤسسة العسكرية المصرية، من صرامة وحزم وانضباط، لا تعنى الانتقاص من احترام المواطن الذى ساند الجيش فى انتصاراته وحمى جبهته الداخلية، ولكن فى الوقت نفسه لن يقبل أى فرد فى أى مؤسسة عسكرية فى العالم إهانة قياداته وتشويه صورتهم والتشكيك فى كامل المؤسسة العسكرية باستخدام بعض القوى السياسية مصطلح «العسكر» المرتبط فى الذهنية التاريخية بالانقلابات، وهذه القوى نفسها تصرح فى كل منبر إعلامى أو مظاهرة فى الميادين المختلفة بأنهم - أى العسكريين - يمارسون الخديعة ولن ينفذوا تعهداتهم بتسليم السلطة للمدنيين وفقا للجدول الزمنى المتفق عليه، تمهيدا للانقلاب على الشرعية الدستورية.

وهو تطور خطير فى العلاقة بين أبناء الشعب ورجال جيشه، الذين كان يطلق عليهم حماة الثورة، ومن أجلهم ردد الثوار الشعار الشهير «الشعب والجيش إيد واحدة».

وفى هذا الإطار، ناقشنا فى المجلس الاستشارى ضرورة إعادة بعض من الثقة المفقودة بين الشعب والقوى السياسية من جهة والمجلس العسكرى من جهة أخرى، والبحث عن أرضية مشتركة تجمع أطراف الأزمة الراهنة، منها اقتراحنا بتقصير الفترة الانتقالية، على أساس أن السلطة التشريعية (مجلس الشعب) عليها أن تحسن اختيار جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد، ويكون أعضاء البرلمان على حوار دائم مع أعضاء الجمعية التأسيسية، وهذه الجمعية ستكون مهمتها الأولى إنجاز دستور جديد للبلاد فى خلال شهر واحد، بشرط التوافق عليه من قبل القوى السياسية، ويمكن الرجوع لمبادرة مهمة تنص على استمرار المواد من الأولى إلى المادة ٧٣ من دستور ٧١ كما هى، حيث إنها مواد تضمن مقومات الدولة المدنية، ولا تمس المواد المختلف عليها بين القوى السياسية، وهى مواد مبنية على أرضية مشتركة وحوار بنّاء، وتستبعد نقاط الاختلاف من أجل روح الوفاق والمصالحة.

إن المتغيرات الدولية اليوم - خاصة فيما يتعلق بالعلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول فى المراحل الانتقالية واشتراطات المانحين عدم الموافقة على منح الحكومة المصرية أى قروض قبل تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، ومخاطر هروب المستثمرين فى الداخل والخارج - تدفع بنا إلى الاقتناع بضرورة فتح حوار حقيقى وفاعل، واسع وشامل وفورى حول الأسس التى قامت عليها دولة المواطنة وحقوق الإنسان، وذلك لإعادة ترتيب وبناء البيت الوطنى من الداخل.

ومن سمات هذا الحوار الضرورى: استناده إلى إيمان صادق بالوطن بكل فصائله ومؤسساته وأحزابه وفعالياته المختلفة. إنه حوار من أجل الكل الاجتماعى والسياسى، وهو ما يتطلب الاعتراف بضرورة النقد، نقد جميع الأطراف والقوى والفصائل المؤثرة فى الدولة والمجتمع، والاعتراف بوجود أخطاء فى الممارسة الديمقراطية، حتى نستطيع العبور بمصر إلى بر الأمان.

وللحديث بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق