اخر الاخبار

14‏/02‏/2012

الشعب بين نداء الضمير ونداء العقل بقلم د.حسن نافعة

لماذا دعت منظمات وحركات سياسية واجتماعية إلى إضراب عام، قالت إنها ستسعى لتطويره إلى عصيان مدنى إذا لم تتم الاستجابة إلى مطالبها، ولماذا لم يتجاوب الشعب المصرى مع هذه الدعوة؟

الواقع أنه يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من ردود الفعل الشعبية على هذه الدعوة، أسفرت عن ظهور ثلاثة فرق:

الفريق الأول: رفضها بشكل صريح وقاطع، ورأى فيها دليلا على تطرف وعدم نضج المنظمات والحركات التى تبنتها، ومن ثم لم يتردد فى إدانتها، بل فى توجيه التهم القاسية لها، بما فى ذلك تهمة العمالة لقوى خارجية وتنفيذ أجندات ومخططات أجنبية تسعى إلى هدم الدولة المصرية، بل إن هذا الفريق لا يبدو مستعداً حتى لمناقشة مجرد إمكانية توافر حسن النية عند هؤلاء ووجود دوافع وطنية لديهم.الفريق الثانى: أيد الدعوة للإضراب وتجاوب معها، والتمس العذر لأصحابها، ورأى فيها دليلاً على يقظة الشباب ونضجه وحرصه بل إصراره على حماية ثورة لم تتحقق كل أهدافها بعد وتتعرض لمخاطر جمة من جانب قوى نافذة تسعى، بكل الوسائل الممكنة، لاحتواء الثورة، تمهيدا للالتفاف عليها وإجهاضها. أى أن هذا الفريق يرى فى الدعوة للإضراب العام أو العصيان المدنى ليس فقط تعبيرا عن ضمير الأمة، وإنما وسيلة وحيدة للضغط من أجل تحقيق أهداف الثورة.

وبين هذين الفريقين اللذين يقفان على طرفى نقيض، يوجد فريق ثالث يتفهم أسباب ودوافع الدعوة للإضراب، ويرى أن عوامل موضوعية كثيرة تبررها، لكنه يعتقد، فى الوقت نفسه، أنها تجىء فى توقيت خاطئ، ومن ثم فإن أى تجاوب شعبى كبير معها قد تكون له مخاطر لا تحمد عقباها فى ظروف مصر الراهنة. ولأن الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى انحازت - فى تقديرى - إلى هذا التفسير وتبنت الموقف الذى اتخذه هذا الفريق، فقد كان من المتوقع فشل الدعوة إلى الإضراب العام، التى لقيت تأييداً وتجاوباً محدوداً.

غير أن فشل الإضراب العام، أو بالأحرى محدودية التجاوب الجماهيرى معه، لا يعنى بالضرورة رضا الشعب عن سياسات القائمين على أمر السلطة أو تأييده لها، وهو ما حاولت بعض وسائل الإعلام الحكومية الترويج له، فالواقع أن الأغلبية الساحقة من شعب مصر تبدو غير راضية عن هذه السياسات، وتشعر بقلق شديد، لأسباب كثيرة، منها: غياب الأمن، وعدم تحقق حد أدنى من متطلبات العدالة الاجتماعية، وفوضى المؤسسات المعنية باتخاذ القرار...إلخ.

ولأن هذه الأغلبية بدأت تدرك على نحو متزايد أن مستقبل الثورة لم يعد فى أيدٍ أمينة، ويتملكها شعور بعدم الاطمئنان على قدرة البرلمان المنتخب على حمايتها فى مواجهة أخطار جسيمة تتعرض لها فى الوقت الراهن وتهدد بتصفيتها، فمن الطبيعى أن ترى فى الدعوة إلى إضراب عام يستهدف حماية الثورة تعبيراً حقيقياً عن ضمير الأمة. لكن يبدو واضحا أن نداء الضمير بات يتناقض فى الظروف الراهنة مع نداء العقل، خصوصا أن الدعوة إلى إضراب عام تأتى قبل أسابيع فقط من فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة.

وفى سياق كهذا ليس من المستبعد أن يؤدى التجاوب الشعبى مع فكرة العصيان المدنى إلى خلق ذريعة تتيح لقوى الثورة المضادة أن تنفذ منها لعزل القوى الثورية عن جماهيرها الطبيعية وإضعافها شعبيا.

لذا يمكن القول بثقة إن الشعب لم يرفض الدعوة إلى إضراب عام قابل للتطوير إلى عصيان مدنى، لكنه أجل البحث فى جدارة هذه الدعوة، من حيث المبدأ، إلى حين التأكد من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيفى بوعده ويقوم بتسليم السلطة فى الموعد الذى حدده، الذى يفترض أن يكون غايته ٣٠ يونيو المقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق