اخر الاخبار

24‏/02‏/2012

تعقيب من مواطن فقد تفاؤله بقلم حسن نافعة

«السيد/...
تحية طيبة..
إشارة إلى مقالكم حول مصر والتمويل الأجنبى، أود إبداء بعض الملاحظات التى أعتقد أنها ليست خافية على فطنتكم فى هذه القضية التى أحيطت بالكثير من المغالطات وسوء النية من أطراف عديدة بعضها من الدولة لأهداف واضحة، وبعضها من الجمهور العام الذى تختلط أمامه الأوراق نتيجة لسوء الفهم أو للشحن الإعلامى المغرض.
وأوجز ملاحظاتى فى الآتى:
أتفق معكم تماما فى التمييز بين مؤسسات المجتمع المدنى وبين المؤسسات الاقتصادية التى تهدف إلى الربح والأحزاب السياسية التى تعمل فى السياسة والتى يجب وجوبا جامعا مانعا أن تكون للمصريين ويحركها المصريون بشكل مباشر أو غير مباشر. وطالما ندرك تماما أن مؤسسات المجتمع المدنى يجب ألا تعمل بالسياسة أو للأهداف الربحية، فعلينا أن نكون حريصين بالدرجة نفسها على عدم عمل الأحزاب فى الاقتصاد أو فى الخدمة الأهلية بهدف التسلل إلى إرادة المواطنين واستلاب إرادتهم السياسية، وأظنكم تعلمون عن الأحزاب التى تملك رؤوس أموال واستثمارات تصب فى نهاية الأمر لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما يعد فى الحقيقة انحرافاً عن الالتزام بالحدود بين وظائف المؤسسات الثلاث المختلفة فى جانبين هما العمل الاقتصادى والعمل الأهلى، أى أنها تجور على دور المؤسستين الأخريين وما يتبع ذلك من سطوة على الحياة السياسية تمثلت، فى الأيام الأخيرة، فى صورة كريهة أخذت شكل بيع البلد بكيلو لحم وزجاجة زيت وكيلوين من الأرز. ما أرخصه ثمناً لبيع وطن.

لننتقل إلى المؤسسات الاقتصادية التى بدأت الآن تعمل بالسياسة بشكل مباشر وغير مباشر، تأخذ أحيانا صورة شراء مقاعد فى مجلس الشعب من خلال نفوذ المال الساحق والإنفاق غير المحدود، بل امتدت، خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك، إلى أن أصبحت جزءاً من الحكومة (برجالها وأقطابها) التى يفترض أن تخطط وتعمل من أجل كل الشعب، فقرائه قبل أغنيائه، أجياله القادمة مثل أجياله الحالية، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى أصبحنا نملك أحزابا تليفزيونية وأحزابا صحفية أصحابها ومديروها هم أصحاب رؤوس الأموال الذين يتعين أن يكون نشاطهم اقتصاديا فقط، وممارساتهم السياسية يجب أن تقتصر عليهم: أفراد وليسوا مؤسسات تساند وتوجه وتستقطب الرأى العام والسلطة وقوى الشعب. أليس هذا أيضا اعتداء على الحدود الدقيقة بين مؤسسات المجتمع الثلاث؟

لننتقل الآن إلى مؤسسات المجتمع المدنى المحلية والأجنبية: مؤسسات المجتمع المدنى حديثة العمر وقليلة الخبرة ومعدومة الموارد وهضيمة الجناج يسهل سحقها بسهولة شديدة وتجعلها إمكانياتها المحلية رهينة باستمرار للسيطرة الحكومية، ولم تتقو هذه المنظمات إلا نتيجة لوصول صوتها إلى الرأى العام العالمى، وتنامى قدرتها المستحدثة على الحصول على تمويلات أجنبية والتنسيق مع المنظمات الأجنبية، ولاشك تدركون يا سيدى أن تمويلات منظمات المجتمع المدنى المحلية تقارب فى حجمها الصفر. وماذا عن منظمات المجتمع المدنى الأجنبية التى تعمل فى مصر، هل تعمل فى السياسة التى يجب أن تكون مقصورة على المصريين وحدهم؟ نحن لسنا سذجا لنبتلع ونهضم كل ما تقوله السلطة حول هذه القضية. فهناك فارق كبير، بل فارق ضخم بين أن أعلم الناس كيف ينتخبون وبين أن أوجههم لينتخبوا شخصاً معيناً أو تياراً معيناً، فارق بين أن أعلمهم ما هى الديمقراطية وحقوق الإنسان وبين أن أعلمهم كيف يطلقون النار أو يصنعون المتفجرات، فارق بين أن أعلمهم كيف تكون الأحزاب قوية ومشاركة فى بناء الديمقراطية وبين أن أوجههم للعضوية فى حزب معين. الفرق بين الأمرين فى كل من هذه الأزواج واضح: أحدهما ليس عملا بالسياسة بل عمل مدنى لتأسيس الديمقراطية وبناء منظومة إدراكية ووطنية تؤدى إلى تقدم المجتمع وانطلاقه نحو المعاصرة. أما الآخر فهو عمل بالسياسة، وعلينا أن نحدد فى أى مجال كانت المنظمات الأجنبية تعمل.

الأمر الآخر، أتفق معك تماما يا سيدى فى ضرورة أن تحصل هذه المنظمات الأجنبية على تصريح بممارسة عملها فى مصر، لكن هل أتاحت السلطة الديكتاتورية – الممتدة قبل وبعد ٢٥ يناير- التى لا تريد تحقيق أى من أهداف تطوير الديمقراطية لهذه المنظمات أن تحصل على الترخيص؟.. لقد كان أول إجراء تطلبه هذه المنظمات عندما تأتى إلى مصر هو طلب الترخيص، فماذا حدث؟ طلب منها أن تمارس نشاطها وسيأتى الترخيص لاحقا (نوع من الابتزاز على المدى البعيد) وعندما نفد صبر الدولة (أقصد الحكومة ذات السياسة المعينة) قالت إنه لا يوجد ترخيص وإنها غير شرعية، وإنها مهربة، وإنها متآمرة، ويبدو أنها اكتشفتها فجأة مختفية خلف أحد أكوام الزبالة فى شوارعنا العامرة. لا.. هناك ما هو أكثر من ذلك: لقد سمحت الحكومة لبعض هذه المنظمات، سواء وطنية أم أجنبية، بأن تسجل بوصفها شركات قانونية وسمحت لها بممارسة عملها تحت هذه المظلة، أليس هذا نوعاً من التلاعب بالقانون والخداع؟ النقطة الأخيرة تتعلق بالتمويلات الأجنبية للمؤسسات الأجنبية: هل كانت سراً؟ لا، هل كانت تهرب خفية؟ الإجابة أيضا لا، لقد كانت تأتى عياناً بياناً وتعرف الدولة مقدارها بالسنت والدولار، ودخلت فى مجادلات علنية مع الدول (أو الدولة) المانحة لتفرض سيطرتها على ما يأتى ومن يأخذ ومن لا يأخذ وكم يأخذ ومتى يأخذ لتتمكن من السيطرة الطاغية على كل شىء وفقا لمبدأ السطوة الحكومية لكل أمور مصر، وبذلك تهدر أدوار هذه المنظمات وينتهى التأثير الذى يمكن أن تحدثه، ويظل شعب مصر تحت وطأة نظم سلطوية تتحكم فى كل شىء.

سيدى العزيز.. أنا مواطن مصرى لا علاقة لى بهذه المنظمات لا الأجنبية ولا الحكومية من قريب أو بعيد، وكانت المرة قبل الأخيرة التى أدليت فيها بصوتى فى الانتخابات فى أوائل الستينيات، وتوقفت بعد أن أيقنت أن عبدالناصر يتلاعب بنا، وعدت مرة أخرى – متفائلاً - للانتخاب فى الاستفتاء على الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً وأنا مستبشر تماماً، ولم أشترك فى الانتخابات البرلمانية التى بيعت فيها أصوات المصريين باللحم والزيت والأرز، ومع ذلك أعتقد أنها انتخابات نزيهة، لكننى فقدت تفاؤلى واستبشارى.

أكتب لك لمجرد إيضاح أن الغوغائية التى أصبحت تناقش بها الأمور ليست كافية لكى يفقد هذا الشعب وعيه، وأن علينا أن نظل شجعاناً فى إعلان ما نعتقد أنه الصواب مهما كان الثمن، لأن وطننا فى حاجة لهذا الآن.

لك تحياتى وأرق أمنياتى، ودمت عقلاً واعياً وقلماً شجاعاً لمصر».    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق