اخر الاخبار

06‏/02‏/2012

عمر طاهر يكتب: تفتيت القوة

عمر طاهر
نعلم جميعا أن الحزن على الضحايا هذه المرة أكثر تعقيداً وإيلاما من أى مرة فاتت، ربما لصغر متوسط أعمار الضحايا، ربما قسوة الغدر، ربما لأن الضربة أتت دون مقدمات ولم تخطر فى بال أحد، ربما لأنها أوقعتنا فى بعضنا من جديد، ربما لأن صورة أنس بابتسامته البريئة ستظل تؤرقنا لفترات طويلة.
الحزن على الشهداء الذى يقوينا كل مرة، زرع فينا قوة أكثر هذه المرة لكل ما سبق، ربما هذا ما يجعلنا نخاف أن نهدر هذه القوة، وأن نسمح لأى جهة بتفتيتها، سواء كانت تقصد ذلك أو لا تقصده.
بعد مرور ثلاثة أيام لاحظت أن هذه القوة تتفتت، فصار الحديث كله يدور حول ما يحدث عند وزارة الداخلية، وكيف يمكننا أن نوقف المواجهات، وكيف تنبأت لميس الحديدى بحريق مبنى الضرائب، وكيف سمح شخص مثل خالد عبد الله لنفسه بأن يسخر من إخوتنا قائلا هيقولوا إيه لربنا لما يقابلوه هيقولوا له متنا واحنا بنتفرج على ماتش كورة، وكيف وكيف؟ وانشغلنا بأسئلة كثيرة وتفريعات ومواجهات شفاهية حتى أصبحت الطاقة مستهلكة على هامش الحدث، دون أن تصب فى عمقه.

والعمق أن كل من يشارك فى قيادة البلاد قليل الحيلة، ويمكنك أن تلمح ذلك فى حديث رئيس الوزراء الذى اهتم بالتذكير بأمجاده، حتى يتفادى أن يشيل الليلة بمفرده، وحديث وزير الداخلية الذى ينطوى على تفاصيل مبهمة فى الطريقة التى تدار بها الداخلية، وبيان المجلس الأعلى الذى لا يقول جملة مفيدة ويستمر فى تحريض الشعب على بعضه، ولا يقول لنا ما الذى يستطيع أن يقوم به لمواجهة هذه المأساة، لأنه ببساطة لا يمتلك حلولا سوى أن يقيم جدرانا عازلة فى كل شارع يشتعل فيه الغضب.

هناك أمور لا نفهمها، مثل إصرار المجلس الأعلى دائما على أن يستعين بوزير داخلية على المعاش بعيدا عن الخدمة منذ سنوات ليضعه على رأس عش دبابير نشطة تستطيع أن تضلل هذا القادم من خارج الوكر ببساطة متى أرادت ذلك، مثل أن يعزل رئيس الوزراء مجلس اتحاد الكرة، فيرد اتحاد الكرة بأن رئيس الحكومة لا يمتلك هذه الصلاحية، بل ويستعين فى تمسكه بمقاعده فى الاتحاد الدولى دون أدنى إحساس بالمسؤولية، لا رئيس الوزراء يمتلك صلاحية كاملة تمكنه من ذلك ولا اتحاد الكرة يخضع لقرار يهدئ نار الشعب قليلا ويحارب حتى يبدو أمام نفسه وأمام مريديه أنه استقال ولم يقله أحد، مع أن هذا الاتحاد نفسه لو كان الرئيس المخلوع أصدر قرارا بحله لأشاد بحكمة الرئيس البالغة وقدم له كل ما يؤكد قانونية قراره. لا نفهم سر فشل كل مبادرات الائتلافات السياسية والشخصيات العامة وعلماء الدين فى وقف العنف أمام الداخلية من فرط الغاز الذى يتلقونه كلما اقتربوا من خط المواجهة لتهدئة الناس، وكأن هناك من يريد أن تفشل هذه المبادرات لأطول فترة ممكنة يكون حزننا فيها على ضحايا المذبحة قد تبدد وانفرط عقده فى مهاترات جانبية.

أرجو الجميع أن يعود إلى حزنه، فالتفاصيل والتفريعات من عمل الشيطان، والمشاجرات الهامشية تقودنا إلى الإحباط، وخلافاتنا تبدد طاقتنا، تلك الطاقة التى لو تماسكت لساعة واحدة لغيرت ما نعيشه الآن، وما النصر إلا صبر ساعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق