اخر الاخبار

26‏/08‏/2011

اختبار سيناء بقلم محمد سلماوى

إن تعاملنا مع العدوان الإسرائيلى الأخير على حدودنا فى سيناء، واعتدائها الآثم على جنودنا الشرفاء، سيحدد طبيعة علاقتنا بالدولة اليهودية فى المرحلة القادمة، ففى كل مرة كانت إسرائيل تعتدى على الحدود فى السابق وتسقط الضحايا بنفس تلك الطريقة الاستفزازية، كانت السياسة المصرية تكتفى بتصعيد خطابها السياسى الأجوف، الذى تخصص فيه وزير الخارجية السابق، بغرض تهدئة الرأى العام لا غير، لكنها لم تكن تتخذ إجراءً عملياً رادعاً، وهو ما جعل إسرائيل تتمادى فى غيّها، فتستهين بمصر، ولا تعمل أى حساب لما يمكن أن تتخذه من إجراءات تعبر بها عن غضبها.
لكن الأنظار تتجه الآن إلى مصر الثورة وأسلوب إدارتها لهذه الأزمة التى تعتبر الاختبار الأول لمصر بعد ثورة ٢٥ يناير، فهل ستكتفى السياسة المصرية بالتأكيد على قدسية الدماء المصرية، ثم تلوح بأن اتفاقية السلام المبرمة مع إسرائيل تحد من اتخاذها مواقف حازمة فى هذه الأزمة؟ أم ستكون لها سياسة جديدة؟

إن من رأى المرشح الرئاسى عمرو موسى، وفق تصريحاته الأخيرة، أن سياسة استرضاء إسرائيل، وعدم التصدى لها، يجب أن تنتهى بانتهاء النظام الذى انتهجها، وأن مصر الثورة التى انطلقت رافعة شعار الكرامة الإنسانية عالياً فى ميدان التحرير، عليها أيضاً أن تحافظ على الكرامة الوطنية فى سياستها الخارجية.
والحقيقة أن عمرو موسى يعرف ما يتحدث عنه، فقد نجح خلال سنواته كوزير لخارجية مصر فى أن يجسد تلك الكرامة فى سياسته، خاصة إزاء إسرائيل والولايات المتحدة، كما جعل الهوة تتسع بينه وبين رأس النظام، وبدأت الولايات المتحدة تشكو فى ذلك الوقت، مما وصفته بأنه «رياح غير مريحة قادمة من وزارة الخارجية»، وهو ما حدا فى النهاية بالرئيس السابق، وبضغوط من تل أبيب وواشنطن إلى إقصاء وزير خارجية مصر عن موقعه.
والآن، وقد تحررت مصر من موقف الاستكانة، وقبول كل ما تمليه إسرائيل، فقد أصبحنا ننتظر، وأصبح العالم ينتظر معنا موقفاً جديداً من مصر الثورة يحفظ لمصر كرامتها من ناحية، ويردع سياسة الاستباحة الإسرائيلية من ناحية أخرى.
إن إسرائيل لم تقدم اعتذاراً رسمياً حتى الآن عن ذلك الاعتداء الصارخ على حدودنا، والذى وصفته بأنه كان خطأ غير مقصود، والخطأ يتطلب الاعتذار، لكن إسرائيل لم تكن معتادة فى السابق على الاعتذار، لذلك لم تعتذر هذه المرة أيضا. إن ما عبر عنه الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، الذى ليست له أى مسؤولية تنفيذية فى الدولة، يدخل فى باب التعازى الإنسانية،
وتلك لا علاقة لها بالاعتذار الرسمى، الذى يجب فى دولة تتبع النظام البرلمانى أن يصدر عن رئيس الوزراء بعد أن يقره مجلس الوزراء، وما دون ذلك، فهو عبث واستهانة بمصر، وبأرواح أبنائها، وفى سبيل ذلك يكون من حق مصر اللجوء لعدد من القرارات التصاعدية، التى قد تبدأ بإعلان موقفها بشكل واضح وقوى برفض هذا العدوان وإدانته وبالمطالبة بضرورة الاعتذار الرسمى عنه، وقد يتدرج الموقف بعد ذلك من استدعاء السفير المصرى للتشاور، إلى طلب سحب السفير الإسرائيلى، وصولاً إلى ما اقترحه السيد عمرو موسى من طلب عقد مجلس الأمن، وتحويل الموضوع إلى مناسبة جديدة تكشف أمام الرأى العام العالمى الطبيعة العدوانية للدولة اليهودية، وتعمل على عزلتها فى المحافل الدولية، وهو ما عانت منه إسرائيل طويلاً فى ظل سياسة مصر السابقة على عصر كامب ديفيد.
هذا هو ما يحفظ لمصر كرامتها ويوضح موقفها الرسمى بعد ثورة ٢٥ يناير، أما ما يضمن عدم تكرار مثل هذه الاعتداءات الإسرائيلية على حدودنا، فهو تركيز الدبلوماسية المصرية فى المرحلة القادمة على ضرورة إعادة النظر فى اتفاقية السلام، التى تعتبر اعتداءات إسرائيل المتكررة داخل الحدود المصرية انتهاكاً صريحاً لها، إن تلك الاتفاقية تحد من السيادة المصرية وتقيدها، حيث تحظر على مصر أى وجود عسكرى على الحدود مع إسرائيل،
مكتفية فقط بالدوريات الأمنية، وقد عجبت من ذلك التصريح الغريب، الذى صدر عن وزيرة الخارجية الأمريكية، التى طالبت مصر بضرورة حفظ الأمن على حدودها، فى الوقت الذى تعرف الوزيرة جيداً ــ أو لا تعرف ــ أن الاتفاقية المعيبة التى تم توقيعها تحت رعاية بلادها، تحظر على الجيش المصرى التواجد فى القطاع الثالث من سيناء المتاخم لحدودنا الدولية.
إن إعادة النظر فى بنود اتفاقية السلام أصبحت ضرورة ملحة الآن من أجل حماية أرض الوطن.. وأيضاً من أجل الحفاظ على كرامة جيش مصر الباسل الذى لا ينبغى أن يقبل بأن تحد أى اتفاقية دولية من اضطلاعه بمسؤوليته المقدسة فى حماية تراب الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق