اخر الاخبار

12‏/08‏/2011

الانتخابات والميدان بقلم محمد سلماوى

كنت ومازلت من المؤمنين بضرورة الإبقاء على ظاهرة ميدان التحرير كدليل على أن شعلة الثورة لم تنطفئ، وأن قوى الشعب التى نزلت إلى ميدان التحرير وجميع الميادين الأخرى فى مصر قادرة على النزول مرة أخرى إذا خبا نور تلك الشعلة أو حدث تباطؤ فى تحقيق مطالب الثورة.
ذلك أن من الحقائق الغريبة فى ثورتنا أن من قاموا بها ليسوا هم من يطبقون سياساتها، ففى عام ١٩٥٢ مثلاً قام الضباط الأحرار بالثورة ثم تولوا زمام الأمور كى يطبقوا ما نادوا به، أما فى ثورة يناير فإن جموع الشعب التى التفت حول الشباب مفجر الثورة طرحت مطالبها وتركت لمؤسسات الدولة الدستورية مهمة تحقيق هذه المطالب، وبقيت هذه الجموع فى الميدان تمثل ضمير الثورة الحى الذى يضمن أن جذوتها مازالت متقدة، وهكذا أصبح النزول إلى ميدان التحرير هو وسيلة الثورة الوحيدة للتعبير عن تواجدها، فليس للثوار حتى الآن حزب رسمى يعبر عنهم ولا منبر إعلامى يتحدث باسمهم، وإن ادعت بالطبع كل الأحزاب أنها تتبنى مطالب الثورة وزعمت كل الأبواق الإعلامية أنها تتحدث باسمها.
على أن الخطر الحقيقى الذى يحيط بهذه الصيغة المبتكرة التى ابتدعتها الثورة فى التعبير عن وجودها وفى الإبقاء على شعلتها هو أن تنحصر الثورة فى التحرير، ويقتصر وجودها على هذا الميدان دون أن تتغلغل فى بقية شوارع الحياة السياسية التى هى المجال الحقيقى للعمل العام، وهكذا تنشغل قوى الثورة بترتيبات النزول إلى التحرير من أسبوع لأسبوع، وتلتهى بالمناقشات التى تحيط بها والمشاكل الناجمة عنها، بينما تواصل قوى أخرى ـ سواء كانت الاتجاهات الإسلامية أو بقايا الحزب الوطنى المنحل ـ العمل بهمة ونشاط فى الشارع السياسى بما يضمن لها تواجداً قوياً فى الواقع السياسى.

إن البلاد مقبلة الآن على الانتخابات النيابية التى ستفرز مجلس الشعب الجديد وهو الذى سيشرف بشكل أو بآخر على إصدار الدستور، وهو الذى سيسن القوانين الجديدة التى ستسير عليها البلاد، وهو الذى سيؤثر بشكل لم يحدد بعد فى تشكيل الحكومة الجديدة، فأين قوى الثورة من ذلك كله؟

لقد نجحت الاتجاهات السياسية الأخرى فى شغل قوى الثورة بالمليونية الأخيرة التى اختطفتها منها غدراً وعدواناً، وكان من الطبيعى لقوى الثورة أن تكون غيورة على ثورتها وأن تسعى للرد على من أرادوا أن ينحرفوا بها إلى شعاراتهم الدينية البالية رافعين أعلام دول أخرى ومحرفين شعارات الثورة، فكما حرفوا العلم حرفوا أيضاً الشعارات.

ولكن السؤال هو: كيف يكون الرد على محاولة السطو على الثورة؟ وكيف يمكن حماية الثورة ممن يريدون أن يجرفوها إلى أجندتهم التى ثبت فى مليونيتهم الأخيرة أنها تدين بالولاء لدول أخرى؟ هل يكون بعمل مليونية جديدة تعبر للمرة المائة عن الاتجاه الحقيقى للثورة والمطالبة بالديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية عن طريق بناء الدولة المدنية؟ لقد قامت الثورة بتلك المليونية مرات قبل المليونية الأخيرة المختطفة.

والعالم كله يعرف حق المعرفة أن الاتجاهات الدينية التى غزت الحياة السياسية بعد الثورة ليست هى صانعة الثورة، ولا ضرر حقيقياً فى أن تنظم لنفسها مليونية متأخرة تأتى بعد قيام الثورة بأكثر من ستة أشهر؟

إن الرد الحقيقى على تلك المليونية الزائفة لا يكون بعمل مليونية جديدة للرد عليها، وإنما بالعمل السياسى المنظم الذى يدعونا الآن لتوحيد صفوف كل القوى المؤمنة بمبادئ الثورة، وذلك فى شكل تحالف واحد يدافع عن الدولة المدنية استعداداً لخوض الانتخابات التى باتت على الأبواب والتى إن خسرتها قوى الثورة فلن يفيدها ميدان التحرير فى شىء.. إن التحدى الحقيقى الآن أمام ثورة ٢٥ يناير هو انتخابات مجلس الشعب، وساحة المعركة الحقيقية الآن ليست فى ميدان التحرير، وإنما فى كل الدوائر الانتخابية فى محافظات مصر، وإلا فإن الحياة السياسية ستمضى فى طريق آخر لن يكون فيه مكان للثورة ولا لميدان التحرير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق