اخر الاخبار

29‏/08‏/2011

وماذا بعد حكاوى عادل حمودة؟.. لقد هَرِمنا بقلم د.طارق الغزالى حرب

تابعت معظم حلقات برنامج «كل رجال الرئيس» على شاشة إحدى الفضائيات طوال شهر رمضان، الذى كان يقدمه الكاتب البارع والصحفى حتى النُخاع عادل حمودة.. ولمن لم يتابع البرنامج فإنه كان بمثابة حكايات وأسرار ومعلومات وانطباعات عن شخصيات معظمها كان من بِطانة وأقارب وأصدقاء الرئيس السابق الذى تمت إزاحته بثورة شعبه بعد أن صبر عليه- وياللعجب- ثلاثين عاماً. معظم حكايات الأستاذ عادل حمودة التى سمعتها كانت معروفة لدى قِطاع كبير ممن يُسمون«النُخبة» السياسية والثقافية والإعلامية والاجتماعية، ولكن معظم أفراد الشعب العاديين لايعرفون عنها شيئاً، بل ربما كانوا لا يصدقون حدوثها ويتصورون أنها مُبالغات لفرط طيبتهم ولا أقول سذاجتهم، ومن هنا كانت أهمية وتأثير البرنامج خاصة على من يُطلق عليهم «يتامى مبارك» من أمثال مجموعة «آسفين يا ريس» وغيرهم ممن يتجمعون بميادين المهندسين ومصر الجديدة وأمام مقر محاكمة المجرمين.كان أفراد «النُخبة» يتبادلون هذه الحكايات والمهازل فيما بينهم همساً وغمزاً ولمزاً، وكانت شهور الصيف بالذات التى يتجمع فيها هؤلاء القوم سواء فى شاليهاتهم وقصورهم الفاخرة بقرى الساحل الشمالى، أو حول موائد الطعام والشراب فى المطاعم الفاخرة التى تفتح لهم أبوابها فى نفس المنطقة كل عام، ليبدأ موسم النميمة والشائعات والحصول على المعلومات وترتيب المكائد والمؤامرات، وسط دخان السيجار الفاخر والشيشة والدخان الأزرق أحياناً! وكان من المألوف كل عام طوال هذا العصر الأسود الموبوء البائد أن تخرج الشائعات مع نهاية شهور الصيف كل عام عن تغييرات مُرتقبة فى المناصب العليا بالدولة سواء منها التنفيذية أو التشريعية أو الإعلامية.

لم يكن أحد من هذه النُخبة يفكر- مجرد تفكير- فى الحديث مع أقرانه عن كيفية الخروج من المُستنقع الآسن الذى كانوا جميعاً يعيشون فيه، ولم تكن كلمة «ثورة» يمكن أن تخرج من فم أحد منهم بلا استثناء، بل إن الغالبية العظمى منهم كانوا لا يتصورون- مجرد تصور- أن الشعب المصرى يمكن أن يثور فى يوم من الأيام ادعاء بمعرفة تاريخية يظنون أنهم أدرى بها، وبفلسفة مُتعالية يتوهمون أنهم العالمون بها.

الحقيقة الوحيدة فى الأمر هى أن كل أفراد هذه النخبة تقريباً- إلا من رحم ربى- والذين يمثلون حوالى ثلاثة أجيال من بعد جيل الثلاثينيات، لم يكونوا سوى أسرى الخوف من سيف المعز أو طالبى ذهبه، وجميعهم- إلا من رحم ربى- لم يكن على استعداد لقبول أى فكرة غير الاستسلام لأجندة النظام الظالم المفترى ولقوى البطش وإرهاب الدولة التى تقف وراءه إلى أن يقضى الله أمره.

أعلم يقيناً أن حكاوى عادل حمودة المثيرة وتحليلاته صحيحة بنسبة كبيرة جداً بما فيها من أفعال مُشينة يشيب لهولها الولدان- ربما كان هذا هو المعنى الذى قصده المواطن التونسى المسكين وهو يصيح بعد الثورة «لقد هَرِمنا»- وبالتأكيد فإنه كانت هناك أسرار أخرى أكثر فُجراً وفجاجة لهذه العائلة التى حكمت مصر ثلاثة عقود بالظلم والقهر والإفساد، تعاونها فى ذلك عصابة من زبانية جهنم استطاعوا فيها إحكام السيطرة على مقدرات الدولة وثرواتها وتفننوا فى طرق نهبها وإفقارها حتى لو كان الثمن ارتكاب جرائم فى حق الإنسانية وجرائم خيانة عُظمى ..

 وهنا أتذكر لقاء لى قبل الثورة بشهور قليلة مع الشاعر والأديب الكبير فاروق جويدة قال لى فيه بالحرف الواحد «إذا سقط هذا النظام فإن ما سيظهر من فساده وسوءاته سيكون أضعاف ما نتخيله ونظنه ونعرفه نحن الآن». إننى هنا أناشد ضمير الرجل الشريف الذى يتولى رئاسة المجلس الأعلى للقضاء هذه الأيام، والسيد المحترم وزير العدل- ولا أناشد النائب العام الذى عرف ومازال يعرف الكثير عن الملفات السوداء لهذا النظام والتى لم يحرك تجاهها ساكناً رغم التنبيهات والمناشدات المتكررة- وأناشد السيد المشير وصحبه، أناشدهم جميعاً ألا يأخذوا حكاوى عادل حمودة المذهلة بمنطق أنها كلام مُرسل، وأنه عليه أن يقدم الأدلة والمستندات وعليها التوقيعات والأختام، وكان لابد أن يتم القيام بإجراءات تحفظ ومصادرة بل تأميم فورية لممتلكات عصابة الحاكم الفاسد وأهله وكل المقربين حوله على مدى العقود الثلاثة الماضية، والتى حصلوا عليها بأحط وأقذر الأساليب، ثم يتم بعد ذلك إجراء محاكمات علنية عادلة لكل منهم، وتُعاد الأموال ويُرد الاعتبار لمن يستطيع منهم أن يثبت أنه كون ثرواته بقدراته الخارقة واجتهاده الشخصى..

 ما معنى أن تظل ممتلكات وأموال أسماء مثل منير ثابت وجمال عبدالعزيز ومجدى راسخ والجمال وأحمد شفيق وكمال الشاذلى وصفوت الشريف وحبيب العادلى وحسين سالم وأحمد نظيف وغيرهم كُثر وعائلاتهم والمرتبطين بهم من رجال الأعمال الفاسدين ورجال السلطة والأمن المُتجبرين بعيدة عن المصادرة لصالح الشعب الذى نهبوه وسرقوه وأفقروه؟ بل إن الكثير منهم مازالوا أحراراً طُلقاء وبأموالهم وتخطيطاتهم يدبرون المؤامرات لتخريب الدولة ومحاولة إجهاض الثورة!

الغريب أن كل هذا التساهل مع أفراد هذه العصابة المجرمة يتم تحت دعاوى احترام القانون، بينما هم قد أشبعوه دهساً بأحذيتهم وعبثاً بمواده لصالح حماية أنفسهم، قبل أن يقول الشعب كلمته ويطيح بهم.. بئس القانون ذلك الذى يُتيح للسارق أن يغنم بنهيبته، وللمجرم أن يفلت بجريمته.. وهل يعرف العالم المتحضر قوانين صيغت خِصيصاً لحماية اللصوص والقتلة إذا حان موعد حسابهم؟ أرجوكم أعطوا هذه القوانين إجازة مفتوحة، وتذكروا أن ما قام به الشعب المصرى هو ثورة كاملة لها قوانينها الخاصة التى يجب أن يحترمها كل من رضى الثوار بتفوضيه لإدارة الدولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق