اخر الاخبار

19‏/08‏/2011

السطو على الديمقراطية بقلم محمد سلماوى

أغرب نوادر الإسلاميين فى الجدل الدائر الآن، حول إصدار وثيقة تتضمن المبادئ الأساسية للدستور، هو ذلك الإصرار على أن الوثيقة يجب أن تصدر بـ«ديمقراطية»، والديمقراطية عندهم هى إجماع الآراء كلها، أو ما يسمونه «توافق» الآراء الذى هو ليس من الديمقراطية فى شىء.
والحقيقة أن موقف هؤلاء، الذين يمتهنون الإسلام بتسخيره لأغراضهم السياسية من وثيقة المبادئ الدستورية، مثير للريبة وجد خطير، فالدستور يجب أن تكون له مواد حاكمة، وهى مواد لا يخلو منها أى من دساتير العالم، بما فى ذلك دستور ١٩٧١ الذى كرس لديكتاتورية النظام السابق بعد العبث به عن طريق التعديلات المتتالية، لذلك فقد حظيت فكرة إصدار الوثيقة بقبول جميع أطراف العمل السياسى، فقط وقفت لها الاتجاهات الإسلامية بالمرصاد.
إن الاتجاهات الإسلامية الرافضة للوثيقة ليست هى صاحبة الثورة التى خرجت يوم ٢٥ يناير الماضى بلا مشاركة إسلامية من أى نوع، فلا الجهاديون ولا السلفيون ولا حتى الإخوان المسلمين كانوا موجودين فى ميدان التحرير يوم ٢٥ يناير ولا فى أى ميدان آخر، بل، كما هو معروف، فإن قيادة الإخوان أصدرت أوامرها الرسمية لأعضاء الجماعة بعدم المشاركة فى «المظاهرات»، ثم حين وضح للجميع أن ما كان يظنه البعض مظاهرات ستنتهى إن عاجلاً أو آجلاً هو فى الحقيقة ثورة أيدتها جميع فئات الشعب بدل الإسلاميون موقفهم ونزلوا إلى الميدان، لكن النزول إلى الميدان شىء ومحاولة السطو على الثورة شىء آخر، وقد رأينا الجماعات السلفية تخرج فى مليونية خادعة فى محاولة لتصوير نفسها على أنها القوة السياسية العظمى بين مختلف القوى، رافعة أعلاماً غير العلم المصرى وشعارات غير شعارات ثورة يناير، تلك التى طالبت بالدولة المدنية التى تقوم على الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.

وها هى الآن الاتجاهات التى تمتهن الإسلام عن طريق تسخيره لأغراضها السياسية تحاول إجهاض الدولة المدنية وفرض دولتها الدينية عن طريق رفض الوثيقة الدستورية التى قبلتها كل الاتجاهات السياسية الأخرى، وذلك بالإصرار على أن تلك الوثيقة لا تصدر إلا بموافقتها.

إن موقف هذه الاتجاهات هو محاولة سطو جديدة، هذه المرة على الديمقراطية نفسها، وذلك بالحديث عن «توافق» الآراء، والحقيقة أن الديمقراطية لا تقوم على التوافق، إنما قوامها الحقيقى هو الأغلبية وليس الإجماع، والمطالبة بعدم إصدار الوثيقة إلا بإجماع الآراء هو محاولة لإجهاض الديمقراطية عن طريق إعطاء الطرف الوحيد الذى يرفض الوثيقة حق «الفيتو» على ما أجمعت عليه جميع الاتجاهات الأخرى، وكأنه هو القوة العظمى التى لها حق الاعتراض على ما أجمع عليه الآخرون، تماماً كما تفعل الولايات المتحدة فى مجلس الأمن فتبطل القرارات التى ليست فى صالح إسرائيل مهما أجمعت عليها بقية الدول، وهو النظام الذى تتزايد يوماً بعد يوم الآراء المطالبة بإلغائه باعتباره مناقضاً للمبادئ الديمقراطية.

إن على من يقبل الديمقراطية أن يقبل برأى الأغلبية وإن اختلف معه، لأن طرفى النظام الديمقراطى هما الأغلبية والأقلية، ومحاولة فرض نظام آخر يشترط الإجماع هى محاولة مستترة لفرض الحكم الشمولى الذى لا يقبل اختلافاً فى الآراء، والذى يتضح الآن، يوماً بعد يوم، أن أصحاب الدولة الدينية يسعون لتطبيقه فى دولتهم.

إن ذلك الرفض لرأى الأغلبية ومحاولة إجهاضه إنما يشير إلى أن محاولات الاتجاهات الدينية للسطو على الثورة التى لم يقوموا بها قد امتدت الآن لمحاولة السطو على الديمقراطية التى لا يفهمونها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق