اخر الاخبار

05‏/08‏/2011

الذل بقلم سحر الجعارة

(قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير)صدق الله العظيم. تجسدت تلك الآية الكريمة فى قلب أكاديمية الشرطة، والعالم يتابع «الرجل المريض» الذى حكم مصر ٣٠ عاما، هو ونجلاه وجلاده داخل قفص المحكمة.
 سقط الفرعون عن عرش مصر، وسقط كل من وضعه فى مصاف الآلهة، وسخر له القانون والدستور، وأحل له الحرام.. ليصل المشهد إلى ذروة الدراما فى لحظة تختلط فيها مشاعر الشفقة بالتشفى، والعفو بالرغبة فى الانتقام.. والعدالة بالهزيمة.
انكسر «مبارك» تماما، واختبأ «جمال» خلف كبرياء كاذب، وتأرجح «علاء» بين الواجب والتوتر.

إن أقصى ما يملكه «الورثة» الآن هو مداراة الأب عن الكاميرا المسلطة عليه، أو مناولته الميكروفون للرد على رئيس المحكمة.. إنهم الآن «عزل» بلا سلطة ولا ثروة ولا مواكب أو قصور. عزل مثل الصدور التى اخترقتها رصاصات الغدر، والعذراوات اللاتى يبتن فى عراء العشوائيات بلا ستر، والجثث التى التهمتها أسماك القرش بعد غرق العبارة، والشباب الذين دفنوا أحياءً على شاطئ الهجرة غير الشرعية. «مبارك» يعيش الآن لحظة قريبة الشبه بفقر المصريين وأمراضهم المزمنة وهوانهم على الناس.. لحظة عنوانها «الذل» الذى توج سنوات الحكم الفاسد والدولة البوليسية، «والحاشية» التى لا تشبع مهما أكلت لحمنا نيئا!

كانت عبارة «اللهم لا شماتة» هى السائدة على لسان المصريين يوم ٣ أغسطس، وكنت أشعر بشفقة لا تعرف طريقها للإعلان. نعم شفقة على الرجل الذى احترف قلمى معارضة سياساته وفساد رجاله وأسرته.

 فالكتابة فى عهد «مبارك» لم تكن لها قيمة إلا بقدر الانحياز للفقراء والدفاع عن الوطن. أنا لا أدافع عن تاريخى المهنى لتبرير إحساسى بالشفقة على الرئيس المخلوع، لكننى أجيب عن سؤال كتبه القارئ «جمال صابر»، على الموقع الإلكترونى للجريدة: «هل أنا مع الرئيس المخلوع أم ضده؟!».

لقد كنت يا سيدى الفاضل ضد سياسات «مبارك» وهو فى عز سطوته ونفوذه، ومن يتابعنى يعرف مواقفى جيدا، وكنت ومازلت، أصر على محاكمة سياسية لمبارك ورجاله، على إفساد الحياة السياسية وتدمير مؤسسات الدولة، وإصدار قانون خاص بذلك إذا لزم الأمر. هذا هو الرأى العقلانى والموضوعى، لكن المشاعر الإنسانية أمر آخر.

لقد مات «مبارك» معنويا – فى رأيى - يوم تم خلعه، وتجريده من أى مجد له علاقة بنصر أكتوبر، وسجن نجليه بمزرعة طرة، وتجريسه فى كل وسائل الإعلام العالمية، وحرمانه من احتمالات توفير جنازة شعبية أو عسكرية له إذا توفاه الله.. كل ما ذكرته من قبل عقوبات شديدة القسوة من وجهة نظرى.

أما وقوفه فى قفص الاتهام فهو عنوان القصاص لأرواح الشهداء، وقد تتم تبرئته من تلك التهمة لتعلق فى رقبة «حبيب العادلى» ورجاله! التربح والفساد المالى ليسا كل جرائم «مبارك»، فالقانون الطبيعى لا يعاقب على المسؤولية السياسية، والمحاكمات السياسية تضيع فرصة استرداد الأموال المنهوبة ..

لكن المحاكمة السياسية تمكننا من القصاص لشهداء العبارة والثورة معا.. وهذا ما يجعل الاختيار صعباً تماماً كما تختلط مشاعر الشفقة بالشماتة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق