اخر الاخبار

13‏/08‏/2011

هل يبوح المشير بأسراره؟مصطفي بكري


مصطفي بكريخلال الجلسة الأولي لمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، طلب محاميه فريد الديب استدعاء المشير حسين طنطاوي للاستماع إلي شهادته في قضية مقتل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير.. وكان الهدف من وراء طلب الاستدعاء, هو معرفة عما إذا كان الرئيس السابق قد أصدر تعليمات بالاعتداء علي  المتظاهرين أم لا؟!
ورغم أن مصدراً أمنياً صرح لوكالة الأنباء الفرنسية بأن المشير سوف يستجيب لقرار المحكمة، إلا أن مصدراً عسكرياً مسئولاً نفي هذا التصريح، وأكد أن القضاء العسكري هو وحده المسئول عن مثول العسكريين أمام المحكمة المدنية أم لا، طالما كانوا في الخدمة العسكرية.وقد ثار جدل كبير في المجتمع حول إمكانية حضور المشير من عدمه للشهادة أمام المحكمة، غير أن أحدا لا يستطيع أن يحسم بقرار المشير حسين طنطاوي حتي الآن، خاصة أن المحكمة التي تحاكم الرئيس السابق ونجليه ووزير الداخلية وعدداً من كبار مساعديه لم تصدر قرارها في هذا الطلب حتي الآن.
إنني أدرك عن يقين أنه لو قدر للمشير أن يدلي بشهادته في هذه القضية الهامة والخطيرة فأظن أن شهادته سيكون لها بالغ الأثر في مجري القضية.
صحيح أن قرارات الرئيس التي صدرت في الفترة من 25 إلي 28 يناير التي سقط خلالها المئات من الشهداء، لم تكن القوات المسلحة قد نزلت إلي الشارع بعد، إلا أن الوقائع التي تلت يوم 28 يناير ربما تحمل جديدا في هذا الأمر.
لقد تردد أن الرئيس السابق طلب من قيادة القوات المسلحة ضرورة الصدام بالمتظاهرين وتفريقهم بالقوة، وهذا الأمر لو صح لدعم وجهة النظر القائلة إن مبارك شخصيا أعطي موافقته لوزير الداخلية باستخدام العنف ضد المتظاهرين.
لقد صرح اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق في تحقيقات النيابة بأن الرئيس السابق كان علي علم بسقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحي، إلا أنه لم يتدخل لوقف نزيف الدماء، وهذا يعني أنه كان شريكا، بل وفاعلا أصيلا في تنفيذ جريمة قتل المتظاهرين.
إن الحقائق تؤكد أن موقف القوات المسلحة ومنذ اليوم الأول لانطلاقة الثورة كان موقفاً رافضا لمنطق استخدام القوة ضد المتظاهرين، وهذه سياسة ثابتة في عقيدة الجيش المصري، وعندما صدرت التعليمات من رئيس الدولة السابق بصفته القائد الأعلي للقوات المسلحة بنزول الجيش إلي الشارع بعد انهيار الشرطة وهروب الجنود والضباط، كانت التعليمات التي أصدرها المشير طنطاوي 'ممنوع استخدام العنف ضد المتظاهرين مهما كان الثمن'.
كما صدرت التعليمات بمساندة المتظاهرين والسماح لهم بركوب الآليات العسكرية، والهتاف معهم بحياة الوطن إن لزم الأمر، وبالفعل شعر المصريون للوهلة الأولي أن الجيش لن يقف أبداً ضد المتظاهرين، ولن يستجيب لأي مطالب من رئيس الجمهورية بالاعتداء عليهم.
وأمام الضغوط التي مورست من قبل رئيس الجمهورية السابق لتوريط القوات المسلحة، كان المشير قد دعا إلي اجتماع عاجل للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بحضور الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الذي كان قد عاد يوم 29 يناير من الولايات المتحدة وفي أعقاب هذا الاجتماع صدر البيان الأول للمجلس الذي أكد فيه أنه لن يستخدم العنف ضد المتظاهرين.
لقد صدر هذا البيان وأُذيع في التليفزيون المصري دون علم رئيس الجمهورية السابق، بل ودون علم وزير الإعلام نفسه، وهو أمر تسبب في ثورة الرئيس السابق الذي دعا إلي اجتماع عاجل مساء ذات اليوم الأول من فبراير بالقصر الجمهوري وبحضور المشير طنطاوي والفريق عنان في وجود نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان ورئيس الوزراء في هذا الوقت الفريق أحمد شفيق.
وقد كانت الجلسة صاخبة، حيث وجه الرئيس السابق اللوم إلي المشير طنطاوي والفريق عنان علي إصدار هذا البيان دون علمه، معتبراً أن هذا البيان من شأنه أن يشجع المتظاهرين علي الاستمرار في ثورتهم ضد النظام.
وقد كانت كلمات المشير واضحة في هذه الجلسة، حيث أكد أن القوات المسلحة لن تتورط أبداً في قتل المتظاهرين، وأنها ستقف دائماً مع الشعب ولن تخون رسالتها.
ومنذ ذلك الوقت، بدأت الأزمة بين رئيس الجمهورية وقيادة الجيش تبدو علي أشدها، ولم يكن بقدرة مبارك في هذا الوقت تحديدا عزل المشير أو رئيس الأركان، لأنه كان يدرك أن ذلك قد يقود إلي تمرد داخل القوات المسلحة، فاضطر إلي الصمت آملاً في انتهاء الأحداث لصالحه.
لقد قال الفريق سامي عنان في لقاء أخير مع عدد من المثقفين والإعلاميين 'لو فشلت الثورة لعلقنا جميعاً علي باب زويلة' وقد كان الفريق عنان محقاً في كلماته، فالرئيس السابق كان يراهن علي ذلك، ليبدأ ساعة الحساب مع قيادة الجيش ومع كثيرين آخرين.
وفي يوم الخميس العاشر من فبراير كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة قد عقد اجتماعه بدون حضور القائد الأعلي، وراح يصدر بيانه الأول الذي أبدي فيه تفهمه لمطالب الشعب، وأبدي فيه انحيازه الكامل للثورة وأصبح الناس ينتظرون حدثاً كبيراً يضع حدا لتردي الأوضاع في البلاد.
كان قرار القوات المسلحة هو إقناع الرئيس بالتنحي عن الحكم وتسليم السلطة للجيش، خاصة بعد أن بدا واضحاً أن مطالب المتظاهرين لن تتوقف عند حدود نقل السلطة إلي اللواء عمر سليمان، وبعد أن اقتنع الرئيس السابق بالفكرة تراجع في اللحظة الأخيرة بعدما وصل أنس الفقي وزير الإعلام إلي القصر الجمهوري وعقد اجتماعاً بحضور سوزان وجمال مبارك، وجري تعديل الخطاب لأكثر من مرة.
وعندما قررت الجماهير الزحف إلي القصر الجمهوري يوم الجمعة، صدرت التعليمات من مبارك إلي قيادة الجيش بالتصدي للتظاهرات قبيل وصولها إلي ميدان رمسيس والحيلولة دون وصولها إلي القصر، إلا أن المشير ورئيس الأركان رفضاً تنفيذ القرار وتوريط القوات المسلحة.
وفي الصباح الباكر، كان المشير قد طلب من اللواء عمر سليمان الاتصال بالرئيس السابق واقناعه بالتخلي عن الحكم لخطورة الأوضاع، خاصة أن الجماهير قررت حصار القصر الجمهوري فطلب الرئيس السابق في بداية الأمر منحه ساعتين من الوقت، إلا أن المشير طلب من اللواء عمر سليمان ابلاغه بضرورة التنحي خلال عشر دقائق بسبب الزحف الجماهيري العارم باتجاه القصر، فطلب مبارك من اللواء عمر سليمان اعداد صيغة التنحي وابلاغه بها، وهذا هو ما حدث، كما طلب بعدم إذاعة قرار التنحي إلا بعد مغادرته هو وأسرته إلي شرم الشيخ.
كان الرئيس السابق هو أول من غادر القصر الجمهوري ظهر يوم الجمعة 11 فبراير، ثم تبعه علاء مبارك وزوجته ونجله، غير أن سوزان ونجلها جمال مبارك ظلا يرفضان المغادرة حتي قبيل السادسة مساء بقليل، مما اضطر الجيش إلي تقديم انذار أخير لهما عبر اللواء عمر سليمان.
وبالفعل وبعد مغادرة سوزان وجمال مبارك وبعض أفراد الخدمة والحرس في طائرتين انطلقتا من ساحة القصر الجمهوري، تم السماح بإذاعة بيان التنحي الذي كان اللواء عمر سليمان قد قام بتسجيله من داخل مبني وزارة الدفاع وتم تسليمه للتليفزيون في هذا الوقت.
وهكذا نجحت الثورة وتم اسقاط حكم الرئيس السابق علي يد القوات المسلحة التي استجابت لمطلب الثورة وفتحت الطريق أمام عهد الحرية.
إن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو لم تتخذ القوات المسلحة هذا الموقف؟ الإجابة هنا واضحة والمصير معروف، من هنا يمكن القول أخيراً إذا قدر للمشير طنطاوي أن يحضر إلي ساحة المحكمة فحتما ستكون شهادته ذات معني وذات مغزي، وقد تدفع بحسم كافة التساؤلات المثارة في القضية لأنه سيقدم الحقائق كاملة وسيفتح الملفات جميعها، فقد كان شاهد عيان لكثير من تلك الأحداث أثناء الثورة وقبلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق