اخر الاخبار

15‏/10‏/2012

جريمة بلا أب بقلم سليمان جودة



الذين سمعوا المستشار محمود مكى، نائب رئيس الجمهورية، وهو يتحدث فى مؤتمره الصحفى، مساء أمس الأول، عن أزمة النائب العام، لابد أنهم أحسوا بأنهم أمام أحد احتمالين: إما أن يكون الرجل قد غاب عن الموضوع كاملاً، من أوله لآخره، وبالتالى راح يتكلم فى موضوع لا يعرفه، وإما أنه افترض أن الذين يتابعون كلامه بلا عقول، فظل يردد كلاماً لا يصدقه عقل، ولا يسنده أى منطق، ولا ينطلى إلا على مجنون!.. ذلك أنه قال إنه ليست هناك أزمة أصلاً!!.. وأنه ليست هناك إقالة للنائب العام ولا حتى استقالة!!.. وإن الإعلام الذى صنع الأزمة!!.. وكأننا نحن فى الإعلام وليس الدكتور أحمد عبدالعاطى، مدير مكتب، رئيس الجمهورية، الذين خرجنا على المصريين وقلنا إن الدكتور مرسى قرر - نعم قرر، بصيغة الماضى هكذا - تعيين المستشار عبدالمجيد محمود سفيراً فى الفاتيكان!..


 فهل من المعقول أن يكون محمود مكى نائباً للرئيس، وأن يكون له مكتب دائم فى الرئاسة، ثم لا يعرف أن الدكتور عبدالعاطى قال هذا الكلام علناً على الملايين؟!.. وهل يمكن أن تصل المغالطة بالمستشار مكى، وهو رجل قانون له تاريخه، إلى حد أنه يتناسى تماماً أن هناك أزمة من أساسه، ثم يغفلها وكأنها غير موجودة، فإذا اعترف بها وبوجودها، ألصقها فى الإعلام؟!.. وهل يمكن أن يصل الاجتراء على حقائق الأزمة، وحلقاتها المتصاعدة منذ بدايتها إلى هذا الحد؟!

الغريب أن هذا لم يكن مسلك نائب الرئيس وحده، وإنما راح الجميع يغسل يديه من المشكلة، بمجرد أن علموا أن رئيس الجمهورية قد تراجع عن قراره!.. فالمستشار أحمد مكى، وزير العدل، لا يجد حرجاً فى أن يصرح بأنه لم يهدد النائب العام فى التليفون، رغم أن النائب العام أعلنها صراحة، ومراراً على مدى ٢٤ ساعة، ولم يفكر وزير العدل فى نفى اتهام المستشار عبدالمجيد محمود له، إلا بعد أن أحس، أى وزير العدل، بأن الرئاسة طوت الصفحة، وصرفت النظر عن الإقالة!.. ليس هذا فقط، وإنما المستشار جادالله، مستشار الرئيس القانونى، ألقى الحكاية بعيداً عن ملعبه، وقال بأن وزير العدل هو الذى نقل إلى الرئيس موافقة النائب العام على الاستقالة، وفى اللحظة نفسها فإن الدكتور ياسر على، المتحدث باسم الرئاسة، أكد هو الآخر أنه حدث سوء فهم، أو تفاهم، أو شىء من هذا القبيل.. وهكذا.. وهكذا.. راح كل طرف يقذف بالمسؤولية على الآخر!

فما معنى هذا كله؟!.. معناه أن جريمة إقالة النائب العام، حين كانت لاتزال فى مرحلة الشروع فى ارتكابها، فإن الكل كان يتسابق ليكون له نصيب فيها، فلما تم وأدها فى مهدها، راح الكل أيضاً، يتنصل منها، ويتبرأ من أى علاقة له بها، ويحاول أن يلقيها على آخرين لم تكن لهم بها أدنى علاقة منذ بدايتها إلى ختامها!

وإذا كان هناك درس يمكن للدكتور مرسى أن يخرج به من هذه المأساة، فهو أنه قد تعرض للخداع فيها، وكان عليه، والحال كذلك، أن يحمل مسؤوليتها بمفرده أمام الرأى العام، وهى مسألة أظن أنها نالت من شعبيته كثيراً لدى مؤيديه، وبالتالى فإن عليه، إذا أراد أن يخرج منها بأقل الخسائر، أن يقصى الذين نصحوه خلالها من حوله سريعاً، وأن يأتى فى مكانهم بآخرين يكونون أمناء معه، لأن الذين خدعوه هكذا، مرة، سوف لا يتورعون عن خداعه لاحقاً مرات!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق