اخر الاخبار

15‏/10‏/2012

الأنسب أن يكون مدير مكتبك لا رئيس وزرائك يا د. مرسى بقلم د. طارق الغزالى حرب


ليس من طبعى أن أبدى رأياً فى أحد بناءً على انطباع شخصى أو أقوال مُرسلة وشائعات، ولهذا فقد انتقدت كثيراً من الكُتاب والأصدقاء الذين اتخذوا موقفاً سلبياً تجاه د. هشام قنديل فور الإعلان عن اختيار د. مرسى له لتولى منصب رئيس الوزراء. صحيح لم أكن سعيداً عندما قرأت سيرته الذاتية وعرفت منها أنه استمر لسنوات طويلة مديراً لمكتب أحد الوزراء فى نظام مبارك اللعين، أو كما يسمونه فى قاموس البيروقراطية المصرية «رئيس قطاع مكتب الوزير»، ففضلا عن أن صفته وموقعه فى هذا الزمن تبعد عنه انتماءه للثورة بأى صورة من الصور، فإننى أعرف من خبرتى العملية أن من يُختار لمثل هذا المنصب يكون من أهل الثقة ذوى القدرة على العمل الشاق المُطيعين للأوامر والقائمين بتنفيذها على وجه السرعة بدون نقاش، مع قدر من الذكاء والمراوغة لعدم إزعاج الوزير، ويكون تركيزه منصباً على تنفيذ تعليمات وترتيبات وقت الوزير، وبالتالى فإنه ليس لديه وقت أو حتى رغبة فى التفكير الإبداعى والرؤية المختلفة..


رغماً عن ذلك فقد وجدت أنه من الإنصاف إعطاء د.قنديل فرصة العمل ومراقبة أدائه وتصريحاته، مع ضرورة سرعة تقييمه حيث إن حاضر الوطن الآن بعد عقود من الفشل الذريع فى إدارة الدولة تحت حكم الفساد والاستبداد، ثم فشل وعك أشد وطأة أثناء تولى المجلس العسكرى المسؤولية، وحجم وكم المشاكل المتراكمة لا يسمحان بترف الانتظار طويلا لنرى نتائج عمله وأفكاره، خاصة مع الطريقة المرتبكة التى صاحبت تشكيل وزارته والتى استغرقت وقتاً طويلا واعتمدت على نفس أساليب النظام السابق فى اختياراته، واللجوء إلى نفس الأجهزة الفاسدة للمشورة، وربما أضاف إليها د. قنديل الذقن أو زبيبة الصلاة على الجبهة كعوامل مُحبذة فى اختياراته! كانت صدمتى الأولى فى السيد رئيس الوزراء عندما ظهر على التليفزيون الرسمى للدولة فى حوار طويل، لم أشعر بعده أن للرجل رؤية مختلفة عما كنا نسمعه من سابقيه، بل إنه كان يردد نفس عبارات وشعارات مرحلة ما قبل الثورة التى أوصلتنا للخراب الذى نعيشه الآن واقعاً مريراً!

ويوم الخميس الماضى قرأت ما كتبه الكاتب الوطنى الكبير فهمى هويدى عن لقاء رئيس الوزراء مع رؤساء تحرير الصحف ورجال الإعلام، كشف فيه عن الكيفية التى يفكر بها الرجل وحكومته فى التعامل مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها البلاد.. فهو يفكر أساساً فى إجراءات حكومية تمس فى الغالب الشريحة الأكبر والأهم من الفقراء ومتوسطى الدخل لزيادة الموارد، وهو ينتظر هبوط استثمارات أجنبية علينا من الخارج قد تأتى أو لا تأتى، مع إغفال تام لما سماه الأستاذ هويدى دور المجتمع ومسؤوليته فى ذهنه. الرجل فى ظنى قليل الخبرة محدود الإمكانيات ولا توجد فى رأسه أى أفكار إبداعية يمكن أن تستنهض همة المجتمع وتدفعه للعمل بجد وأمل لزيادة الإنتاج فى جميع المجالات.. والرجل لم يقدم مرة واحدة تصوراً لإجراءات جادة ومؤثرة لخفض النفقات الحكومية بما فى ذلك نفقات رئاسة الجمهورية وقصور الرئاسة وتنقلات الرئيس ومساعديه وحراساته، وهى كلها أشياء لم يشعر المواطنون بأن ثمة شيئاً قد تغير فيها..

ولست أدرى كيف يفكر سياسى على قدر من الذكاء والحس المجتمعى فى رفع أسعار الخدمات ورفع الدعم عن بعض السلع بدون أن تقدم حكومته أولا شهادة بحسن نيتها وانحيازها الصريح لصالح الأغلبية المطحونة فى هذا البلد، سواء بوضع حد «أدنى وأقصى» للأجور يُنفذ فوراً، أو بالقيام بإجراءات جادة وحازمة لضبط الأسعار فى الأسواق ومواجهة الانفلات والجشع الذى لا يجد للأسف من يتصدى له. لم تقترب حكومة قنديل من ملف مهم جداً يمس أحد أهم أهداف الثورة وهو العدالة الاجتماعية وأعنى به ملف الضرائب وضرورة تطبيق نظام للضرائب التصاعدية، يقرب أو يقلل من الفوارق الشاسعة بين طبقات المجتمع المصرى.. لم يتحدث الرجل بصراحة ووضوح حتى الآن مع الشعب بشأن الأموال المنهوبة والمُهربة واحتمالات عودتها وفى أى اتجاه سوف تُنفق إذا ما جاءت، ولم يتطرق الرجل بالجهد والاهتمام الكافيين لقضيتى التعليم والصحة اللتين هما من أهم أسباب المآسى والمشاكل فى كل بيت بمصر. ليس غريباً إذن ما سمعناه مؤخراً من د. قنديل يدعو كل من لديه رؤية وفكر وحلول للأزمات الطاحنة التى تعصف بالمصريين إلى المشاركة فيما سماه «حوار مجتمعى»!

السيد الرئيس.. ربما تكون قد وجدت فى د. قنديل بعض الصفات الشخصية الممتازة - وأنا لا أشك فى ذلك - ولكن ألم يكن من الأنسب والأليق أن يكون مديراً لمكتبك كما كانت هى وظيفته لسنوات طويلة؟ وأسأل أيضاً د. مرسى، إلى متى ستظل الوظائف القيادية فى هذا البلد مُحرمة على الذين قادوا بالفعل مسيرة الثورة وأشعلوا فتيلها؟ لقد كان هذا مفهوماً من قبل المجلس العسكرى، ولكنى لا أجد له تفسيراً واحداً مُقنعاً الآن.. هل تظن جماعة «الإخوان المسلمين» أنهم فقط أصحاب هذه الثورة؟! والله، إنها الكارثة لو كانوا يظنون ذلك!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق