اخر الاخبار

07‏/10‏/2012

عمر طاهر يكتب:الإساءة الكامنة



انتهت زفة الإساءة إلى النبى على شِبه خير الحمد لله، ثم عدنا كما كنا، فلا تعلمنا من الدرس شيئا مهما ولا نحن نصرنا النبى كما ينبغى ولا عالجنا المشكلة بشىء أكبر من أغنية أو شعار أسفل تى شيرت لاعب فى مباراة بلا جمهور، كل ما فعلناه أن اشتغل البعض «شرطة إسلامية»، ونمنا فى انتظار أن تتجدد الإساءة فتصحو قوات الأمن من جديد، نلعب بخطة دفاعية بحتة تقوم على التكسير، ولا سبيل لأن نبدأ فى يوم ما هجمة واحدة منظمة على الرغم من أن الملعب مهيأ لنا تماما.
 العالم كله يعيش فى ضغوط نفسية هائلة ويبحث عن العلاج فى كل مكان وبأى وسيلة، والعلاج موجود عندنا حصريا، ولا أحد يصدق ذلك.
 كتاب «السر» للمؤلفة روندا بارين الذى تمت ترجمته إلى مئات اللغات وطُبع أكثر من مئة مليون نسخة منه لأنه يشرح للناس سر الحياة بنجاح على كل المستويات النفسية والعاطفية والمهنية، هذا الكتاب الذى لا يتعدى مئتَى صفحة هو قشور لما هو كائن فى القرآن والأحاديث النبوية، نحن الذين نمتلك الخام، ماذا فعلنا به؟ ولا حاجة، فجاءت مؤلفة أجنبية تقول كلاما سطحيا عن التغيير وقوة الإرادة والنجاح، كله مجرد اختزال بلغة عصرية لحسن الظن بالله وسحر الدعاء وأنت موقن بالإجابة وحتمية أن يتغير كل ما بك إذا غيَّرْت ما بنفسك وفكرة القوة المستقاة من تمسُّك الشخص بالإخلاص فى علاقته بالله إلى أن يمتلك قوة يقول عنها الحديث الشريف


«.. حتى أحبُّه فإذا أحْبَبْتُه كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، ولئن سألنى لأعطينَّه، ولئن استعاذنى لأُعِيذَنَّه»، هذه الأفكار تَلقَّاها العالَم بشراهة كبيرة وصدَّق أنها «سر» على الرغم من أن أصغر طفل مسلم يعرف الأصول التى جاءت منها مواد الكتاب. هل فكّرنا يوما ما فى أن ننقل للعالم هذه الأفكار بلغة عالمية تتجاوز حدود الجنسية والديانة والثقافة؟ وهل كان يحلم سيدنا النبى بغير ذلك أصلا؟

كُتُب الروائى البرازيلى باولو كويلو التى أصبحت فى السنوات العشر الأخيرة موضة القراءة فى كل مكان فى العالم بكل لغة لما يحييه من رُوحانيات وقصص عن الأنوار التى تزرعها السماء فى نفوس البشر وعن المحبة الكامنة فى تجربتَى الألم والفرح، كويلو الذى أصبحت كلماته تزيِّن المدارس والفصول وغرف الاجتماعات فى الشركات الكبرى والجامعات، هذا الرجل يمكن العثور على أصل كل ما طرحه للعالم ليطمئنه فى كتب علماء الدين والمتصوفة الكبار.

كل حكاياته دون استثناء من كتبنا نحن، لو دققت سنجدها حكايات الشيخ أبو يزيد البسطامى وحسن البصرى والنفّرى، ستجد أقواله مستوحاة من نهج البلاغة لسيدنا على بن أبى طالب ومن كتب ابن القيّم الجوزية، وهذا لا يقلل من قيمة الرجل الأدبية أبدا، بالعكس، لقد اجتهد وقدم للعالم ما يبحث عنه، وما كان يبحث عنه العالم موجود بالصدفة لدينا منذ زمن بعيد، فإن كان ثمة تقليل فهو تقليل من شأننا نحن لأننا لم نصُن النعمة ولم نعطها قدر حقها.

يا راجل ده أنت عندك منطقة فى سيناء مر بها أربعون نبيًّا، وهى المنطقة الوحيدة التى ثبت أن الله تحدث فيها إلى نبى، وذُكرت فى الكتب السماوية، وتعانقت فيها الأديان الثلاثة، لم تُجِد يوما بيعها للعالم كمحطة روحانية عظيمة (هذا بخلاف أنها بتضيع منك هذه الأيام)، بخلاف آثارك الإسلامية معجزة الفن والرقى، بخلاف موسوعات الطب والعلوم التى تمتلكها وينهل العالم منها حتى اليوم لدرجة أن تحتفل شركة «جوجل» بذكرى «ابن النفيس» و«ابن سينا» و نحن هنا نحتفل بذكرى «بن لادن»، بخلاف فنون التلاوة التى نشرت الإسلام فى الستينيات على يد مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد اللذين وقعا من ذاكرة الأمة السمعية الآن وحلّ مكانهما أصوات مستوردة هى شىء واحد بلا روح (فى ما عدا استثناءات قليلة جدا متميزة)، هل فكرنا يوما فى أن نتبنى مدارس نستعيد بها مجد المقرئين المصريين الذين غزوا العالم؟


لا أحد يصدق أن الكتب السماوية نزلت فى المربع الذى نعيش فيه نحن بالذات، وأن الله ائتمننا على كلماته وخططه وحقيقة أمراض البشر النفسية وطريق علاجها، ائتمننا على حكايات الخليقة والدروس المستفادة والنصائح والتحذيرات والبشرى والطريق إليه، وأوصانا -بأن اختار المنطقة مهبطا لكتبه السماوية- أن ننشر فى العالم المحبة والأخلاق، فاخترعنا طرقا جانبية لنشرهما على مزاجنا، طرقا ملتفة أورثت أشواك تربتها فى النفوس قسوة ما فضاعت المحبة، طرقا وعرة خيّم ظلامها على العقول فأصبحت بلا أخلاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق