اخر الاخبار

21‏/12‏/2012

هل يظلون فاشيين؟! بقلم أحمد عبد المعطي حجازي


لم أكن أتصور، لا أنا ولا غيرى، أن تكشف لنا الأيام والحوادث أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة فاشية إلى هذا الحد، وأن فاشية هذه الجماعة طبيعة متأصلة فيها لا تستطيع أن تتحرر منها لأنها لا تستطيع أن تتحرر من الخلط بين السياسة والدين.

والخلط بين السياسة والدين يُفقد المنتمين لهذه الجماعة قدرتهم على التفكير السليم، ويجعلهم أدوات فى أيدى من يحركونهم، ويبررون لهم هذا العنف الوحشى الذى يواجهون به خصومهم، إذ يعتبرون معاركهم السياسية حروباً دينية يمثلون فيها الإسلام ويمثل غيرهم الكفر، فكل ما يصنعونه فى هذه الحرب حق لهم، لأنهم يجاهدون فى سبيل الله وينتصرون لدينه!

ولقد كنا نظن أن الاعتراف بحق الإخوان فى النشاط العلنى وما حققوه بعد ثورة يناير من مكاسب سيفرض عليهم أن يراجعوا أنفسهم ويحترموا قواعد العمل فى ضوء النهار، ويتخلصوا من الأخطاء والنقائص التى كان يفرضها عليهم العمل فى الظلام. لكن شيئاً من هذا لم يحدث، فالخلط مستمر بين السياسة والدين، والسمع والطاعة شرط الانتماء للجماعة، والعنف هو العنف، والتنظيم الخاص الذى اغتال أحمد ماهر، والخازندار، ومحمود فهمى النقراشى، هو التنظيم الذى يتصدى الآن للذين يعارضون طغيان الإخوان، وهو الذى يصطاد زعماء المتظاهرين ويسحلهم ويمزق أجسادهم، وهو الذى يحاصر المحكمة الدستورية العليا، ويهدد القضاة والإعلاميين ويعتدى على الفنانين، وهو الذى أشعل النار فى حزب الوفد واغتال الحسينى أبوضيف.

فالإخوان المسلمون إذن جماعة فاشية، لأنها تحول قضايا السياسة التى تقبل الاختلاف وتتعدد فيها الآراء والمواقف، وتحتمل المراجعة، ويجوز فيها الصواب والخطأ إلى عقيدة تفرضها على غيرها بالقوة، وتستخدم فى ذلك ما تقدر على استخدامه من صور الإرهاب والعنف المادى والمعنوى. وفى هذا يقول الشيخ حسن البنا، مؤسس الجماعة، لأتباعه «إن الأمة التى تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب لها الله الحياة العزيزة فى الدنيا والنعيم فى الآخرة، وما الوهم الذى أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة».

والخلط واضح هنا بين التضحية بالحياة والتضحية فى سبيل الحياة، بين الشجاعة التى يجب أن نتحلى بها ونحن ندافع عن حياتنا وحريتنا ونواجه ما يهدد الحياة والحرية من أخطار وبين صناعة الموت التى لا يحسنها إلا الذين احترفوها.

فى إيطاليا الفاشية كان العنف نشاطاً يومياً يمارسه الفاشيون: حملات تأديبية يشنونها على خصومهم، يفتشون المنازل ويدمرون مقار الأحزاب الأخرى، ويشعلون النار فى الفنادق، ويغلقون الحانات، ويعتقلون المعارضين، ويغتالون زعماء المعارضة، ويقف موسولينى بعد ذلك ليعلن مسؤوليته عما يقوم به أنصاره، كأنما يباهى به، ويتحدى أن يعترض معترض: «أعلن أمام هذا الجمع وأمام الشعب الإيطالى أننى أتحمل بمفردى مسؤولية ما حدث فإذا كانت الفاشية عصابة من المجرمين فإننى زعيمها».

والحقيقة أن الفاشية لم تكن إلا كما وصفها زعيمها: عصابة من المجرمين، وهذا هو المعنى الذى تشير إليه كلمة «فاشية» فهى مصدر من الكلمة الإيطالية «فاشيو» ومعناها حزمة، أو عصبة، أو عصابة، أو جماعة مترابطة، أو خلية فى حزب، أو حركة سياسية، ومن هذا المعنى استمد الفاشيون اسمهم واختاروا شعارهم، وهو حزمة العصى المشدودة حول البلطة ذات الحدين، وكانت فى الماضى شعار قضاة الإمبراطورية الرومانية التى اعتبر الفاشيون أنفسهم استمراراً لها، ولهذا تبنوا شعاراتها وألقابها وتشكيلاتها ورتبها، ومنها القنصل، والتريبونو أى المنصة أو الرواق، وقائد المائة.. فإذا نظرنا إلى الاسم الذى اختاره الشيح حسن البنا لجماعته وإلى الشعار الذى جعله تجسيداً لما تعتنقه من أفكار وما تسعى لتحقيقه من غايات، فلن نجد اختلافاً جوهرياً، الإخوان اسم جماعة المؤمنين، والجماعة عصبة أو رباط والرباط عند المسلمين هو القلعة التى يرابط فيها المجاهدون. وقد أطلق هذا الاسم على العاصمة المغربية كما هو معروف. أما البلطة ذات الحدين فهى ليست بعيدة عن السيفين المتقاطعين.

وإذا كان الفاشيون يقدسون الوطن ويتغنون بمجد الرومان كما نجد فى قصائد الشاعر جابرييل دانونزيو، الذى كان قريباً من موسولينى: «إنه يومك يا إيطاليا! إنها ساعتك!»- أقول إذا كان الفاشيون يقدسون الوطن، فالإخوان يسيّسون الدين ويجعلون العقيدة وطناً يحملونه ويرتحلون به إلى الماضى، حيث الخلافة التى يحلمون باستعادتها كما يحلم الفاشيون باستعادة الإمبراطورية الرومانية.

ومن الواضح فى كل هذا أن السلطة هى هدف الفاشيين، كما أنها هدف الإخوان، لا سلطة الأمة التى تناضل فى سبيلها الأحزاب الليبرالية، ولا سلطة الطبقات الكادحة التى يناضل فى سبيلها الاشتراكيون، لكن سلطة العصبة أو الجماعة، سلطة البلطة والسيفين، والطريق إلى السلطة هو «السكوادريستى» عند الفاشيين، والتنظيم الخاص عند الإخوان.

والسكوادريستى كلمة إيطالية مشتقة من كلمة سكوادرو أى السرب أو الفصيل الذى كان يقوم بإرهاب الخصوم كما كان التنظيم الإخوانى يقوم بهذه العمليات الإرهابية.

الإخوان المسلمون إذن جماعة فاشية، وهذا ما أدركه الكثيرون منذ ظهرت هذه الجماعة فى العشرينيات الأخيرة من القرن الماضى، فالشعارات التى رفعها الإخوان والمواقف التى اتخذوها مما كان يحدث فى مصر آنذاك تلفت النظر بقوة لوجوه الشبه التى تجمع بينهم وبين الحركات الفاشية التى نشطت على اختلاف صورها فى أوروبا، واستطاعت أن تصل إلى السلطة فيما بين الحربين العالميتين.

كانت الحرب الأولى قد وضعت أوزارها وخرج منها الأوروبيون مثخنين بالجراح، المنتصرون منهم والمهزومون على السواء، ضحايا بعشرات الملايين قتلى وجرحى، أزمة روحية طاحنة انبثقت منها حركات أدبية وفنية متفجرة واقتصاد مترنح، والبطالة منتشرة، والمظاهرات لا تتوقف، والشيوعيون يستولون على السلطة فى روسيا، والحرب الأهلية تهدد الجميع، وفى هذا المناخ العنيف ظهرت الحركات الفاشية وحققت انتصارات مدوية فى أنحاء أوروبا المختلفة.

الفاشيون الإيطاليون بزعامة بنيتو موسولينى ظلوا يتأرجحون يميناً ويساراً، ويغازلون الملك والبابا والعمال والرأسماليين حتى استطاعوا الحصول على عدد من المقاعد فى البرلمان، قفزوا منها إلى الوزارة، ومن ثم تمكنوا من إزاحة غيرهم، وانفردوا بالسلطة وسيطروا على مؤسسات الدولة كلها.


والذى حدث فى إيطاليا خلال العشرينيات حدث فى ألمانيا خلال الثلاثينيات بزعامة أدولف هتلر الذى استثار فى ألمانيا المهزومة عواطفها القومية، وأحقادها العرقية، وكراهيتها لليهود والشيوعيين، وألف من كل هذا العنف حزبه النازى، واستطاع أن يصل إلى السلطة ليقضى على خصومه جميعاً، وينهض باقتصاد بلاده، ويبنى قواتها العسكرية، ثم يدفع بها إلى جحيم الحرب الثانية.

وكما صنع الفاشيون والنازيون فى إيطاليا وألمانيا صنع الفالانج ـ الكتائب ـ فى إسبانيا بزعامة فرانكو، والعسكريون فى البرتغال بزعامة سالازار.

هذه الأحداث العنيفة وهذه التحولات الكبرى التى شغلت العالم كله فيما بين الحربين العالميتين شغلت المصريين أيضاً وفرضت نفسها عليهم، وجعلتهم يشاركون فيها بإرادتهم أحياناً وبالرغم عنهم أحياناً أخرى.



كانت مصر، خلال الحرب العالمية الأولى، ساحة من ساحات الصراع بين الأتراك والإنجليز، فمصر فى نظر الأتراك كانت لاتزال جزءاً من سلطنتهم، بينما كانت فى نظر الإنجليز محمية بريطانية، كما كانت مصر فى الحرب الثانية مسرحاً للقتال بين الألمان وحلفائهم الإيطاليين من ناحية، وبين الإنجليز من ناحية أخرى، ولأن المصريين فى ذلك كانوا يسعون لاستكمال استقلالهم وطرد المحتلين الإنجليز من بلادهم، فقد ظهر فيهم من يتابع نشاط الفاشييين الأوروبيين أعداء الإنجليز والفرنسيين باهتمام وإعجاب، ويتعاطف معهم ويتحمس لنظمهم الشمولية، ويفقد الثقة فى النظام الديمقراطى، أو يخالجه الشك فى قدرته على تحقيق الأمانى الوطنية، ويحن للماضى، ماضى مصر الفرعونية الذى أعادته الكشوف الأثرية حياً، وماضى الإسلام الذى بدا أنه مهدد بعد أن قام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة وإعلان الجمهورية فى تركيا، وفى هذا المناخ ظهر حزب مصر الفتاة بزعامة أحمد حسين يدعو لإحياء ماضى مصر الفرعونى ويحاول تغيير النظام السياسى القائم، وظهرت جماعة الإخوان المسلمين بزعامة الشيخ حسن البنا تدعو لاستعادة الخلافة وتطبيق الشريعة، وتقف بهذه الدعوة موقفاً سلبياً من كل الأهداف التى التف حولها المصريون وتبنتها الحركة الوطنية: الاستقلال الوطنى، والدولة المدنية والدستور. هذا الموقف الذى كان سلبياً فى بداية ظهور الإخوان المسلمين تحول إلى حرب شنتها الجماعة على النظام الديمقراطى، والوحدة الوطنية، والثقافة العقلانية، ولاتزال هذه الحرب مشتعلة حتى الآن، ولايزال الإخوان وحلفاؤهم يشنون حربهم علينا ويسعون لتدمير كل ما تحقق فى نهضتنا الحديثة.

لكن الإخوان لم يعودوا جماعة مطاردة ولم يعودوا خارج السلطة، وإنما هم على رأسها الآن.. فهل يتفق هذا الوضع مع عدائهم الفطرى للدولة المدنية وللديمقراطية وللنهضة الحديثة؟.. هل يظلون فى وضعهم هذا فاشيين؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق