اخر الاخبار

16‏/12‏/2012

دماء على الدستور بقلم محمد حبيب


التخبط والارتباك يسودان الحياة السياسية.. الأخبار والمعلومات التى يتم بثها وتداولها من خلال الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعى لا يدرى أحد مدى صحتها وحقيقتها.. التربص هو السمة الغالبة التى تميز أطراف الجماعة الوطنية.. كما أن فقدان الثقة وغياب الشفافية يزيدان من حيرة واضطراب المواطن العادى..الانقسام والانشقاق الحاد، حتى فى الأسرة الواحدة، سوف تكون له آثاره السيئة وعواقبه الوخيمة على الوطن كله.. ليته كان اختلافا فى الرأى.. لكنه تصدع وتشرخ فى البناء الوطنى.. التماسك المجتمعى يتعرض لأخطر عملية تحلل، والذى يتصور أن الاستفتاء الذى تحدد له السبت ١٥ و٢٢ ديسمبر، سوف يضع حدا للأزمة، ويوقف تمدد الشرخ الحادث فى المجتمع المصرى، أقول هو واهم وغير مدرك لما يجرى على الساحة.. إن من يقارن بين الأجواء التى سبقت الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى ١٩ مارس ٢٠١١، وبين الأجواء الحالية، يجد الفارق ضخماً
وكئيباً ومفزعاً.. فى تلك الأيام كانت الجماهير خارجة لتوها من الثورة، وهى مستندة إلى منظومة من القيم الأخلاقية والإيمانية والإنسانية الرفيعة.. كانت الجماهير فرحة ومزهوة بالانتصار الذى حققته.. أقبلت عن بكرة أبيها على استفتاء التعديلات، وهى تشعر لأول مرة بأن لصوتها قيمة.. وقفت الجماهير فى طوابير بالساعات وعلامات السعادة والرضا بادية على كل الوجوه.. الأحاديث التى كان يتبادلها الناس كانت تتسم بالمودة، وكأنهم أقارب أو أصحاب.

الأجواء الآن مختلفة تماماً.. أصبح الود مفقودا، والسعادة والرضا غائبين.. حلت محلهما أحقاد وضغائن.. شتائم وسخائم.. تخوين واتهام بالعمالة.. ما نراه الآن محزن ومؤلم وموجع.. فالانقسام تجاوز بكثير مجرد العنف اللفظى، وانزلق إلى هاوية العنف المادى.. حيث وقعت أحداث سقط فيها قتلى وجرحى بالمئات.. كان ذلك فى الأربعاء الدامى أمام «الاتحادية».. يبدو أنه كان شركا نُصب للجميع، فقفزوا إليه.. السلم الأهلى مهدد، واستقرار الوطن يتعرض لموجات زلزالية، والأمن الوطنى والقومى أصبح فى خطر.. كأنه لم تعد هناك دولة.. القانون دخل السرداب، ولا يدرى أحد متى يعود أدراجه.. وفى الوقت الضائع حاول وزير الدفاع دعوة الجماعة الوطنية إلى لقاء «لم الشمل»، لكن فشلت المحاولة، ولم يتم اللقاء لأسباب كثر اللغط حولها.. لكن من الواضح أن الدعوة وإلغاءها يعكسان إلى حد بعيد مدى الارتباك والتخبط الذى تعيشه مصر، خاصة العلاقة بين الرئاسة من ناحية ومؤسسات الدولة من ناحية أخرى.. وجاء خبر نقل النائب العام الجديد المستشار مصطفى خاطر، المحامى العام لنيابات شرق القاهرة، بسبب الإفراج عن المتهمين فى مجزرة الاتحادية بدلا من حبسهم، ثم تحويل القاضى محمود حمزة إلى لجنة التفتيش القضائى، ليصبا زيتاً على النار المشتعلة.. صحيح أن النائب العام رجع عن قراره فى أقل من ٢٤ ساعة نظرا لموقف أعضاء النيابة المؤازر للمستشار خاطر، لكن اجتماع أعضاء النيابة فى نادى قضاة مصر، مساء الخميس الماضى، كان ملتهباً، ودل على أن الوضع سيظل متوترا بين الرئاسة وأعضاء الهيئات القضائية إلى حين.

أعود وأقول مجددا إن ما يهم بالدرجة الأولى هو التماسك المجتمعى العام، فهذا دليل قوة وعافية، ونقيضه دليل ضعف ومرض.. هذا فضلا عن قدرة مؤسسات الدولة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، التى تواجه مصر.. إن لدينا وضعاً متفجراً فى الداخل يكاد يمزق المجتمع إلى أشلاء، ووضعاً اقتصادياً مأزوماً، ووضعاً فى سيناء على درجة كبيرة من الخطورة، ووضعاً يتم الترتيب له على مستوى المنطقة تجر إليه مصر للدخول فى الصراع المذهبى بين السنة والشيعة.

السؤال الآن هو: كيف يتم الاستفتاء على الدستور فى مثل هذه الأجواء؟ ألم يكن أجدر بالدكتور مرسى تأجيل الاستفتاء شهرين أو حتى شهرا حتى يمكن التوصل إلى نوع من التوافق على المواد المختلف عليها؟ إن الصدور محتقنة والنفوس غاضبة والقلوب مشحونة، وفرص اندلاع عنف دموى بين فئات المجتمع كبيرة، وأظن أن أحداث الإسكندرية، يوم الجمعة أمس الأول، خير شاهد ودليل.. نريد أن تهدأ النفوس، وهو ما سيتطلب تنازلات من الأطراف المعنية، حتى يكون الاستفتاء عرسا ديمقراطيا بحق، لكن يبدو أن هناك من يصر على أن يجرى أهم حدث فى البلاد، والشعب المصرى على هذا الحال من الاحتقان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق