اخر الاخبار

27‏/12‏/2012

إيران الثورة والربيع العربي بقلم حسن حنفي

كانت بين مصر وإيران علاقات خاصة دائما، ليس فقط مصاهرة القصرين، زواج الشاه من أخت الملك فاروق، بل أيضاً حسن الجوار، وترجمة الأدب الفارسى إلى العربية، وغناء أم كلثوم رباعيات الخيام، وقراءة الشاهنامة للفردوسى، والمتنوى للرومى، وترجمة معظم أعمال صوفية فارس. فيجمع بين مصر وإيران ثقافة إسلامية واحدة، صوفية أو فلسفية أو علمية.

واستمرت العلاقة بين مصر وإيران بعد ثورة يوليو 1952، وتأميم «مصدق» للنفط، وهروب الشاه. وكانت كل ثورة ملهمة للأخرى. و«مصدق» و«ناصر» زعيمان وطنيان يدافعان عن الاستقلال الوطنى ضد القوى الاستعمارية: بريطانيا أو أمريكا. وكان «السافاك» فى إيران يقوم بما تقوم به أجهزة الأمن السرى فى مصر من تعذيب للمعارضة واغتيال لهم ومطاردتهم، ثم دبرت القوى الاستعمارية ثورة مضادة ضد «مصدق». وأعادت الشاه، ولكن «ناصر» قاوم حتى أمّم قناة السويس 1956، ومصّر الشركات الأجنبية 1957. ولم يستطع الاستعمار تدبير المؤامرات ضده إلا بعد عدوان يونيو- حزيران 1967 وانتقاله إلى رحمة الله 1970، ثم الانقلاب عليه بعد حرب أكتوبر 1973 بقوانين الانفتاح الاقتصادى، وقوانين الاستثمار، والتحالف مع أمريكا حتى كامب ديفيد فى 1978، واتفاقية السلام مع إسرائيل فى 1979.

ثم قامت ثورة فبراير 1979 فى إيران، والثورة المضادة فى مصر فى أوجها. وكان هذا هو تناقض القدر. عندما كانت إيران تحت حكم الشاه كانت مصر ثورية بقيادة ناصر. وعندما تحولت مصر إلى ثورة مضادة تحولت إيران إلى ثورة إسلامية.

وكما يحدث فى كل الثورات الفرنسية والروسية والعربية فى الخمسينيات والستينيات أن تتفتت الوحدة الوطنية. ويتحول الثوار إلى قبائل وعشائر وفرق، كل منها تدَّعى أنها الفرقة الناجية. وتكفر الفرق الأخرى. فخرج العلمانيون أولا ممثلين فى بنى صدر، رئيس الجمهورية، الذى لم يستطع الحفاظ على الوحدة بينه وبين القيادة الإسلامية والاتفاق على الحد الأدنى من البرنامج الثورى المشترك. ووقعت الثورة فى ثنائية المحافظين والإصلاحيين. واشتد عود المحافظين شيئا فشيئا. وانحسرت قوة الإصلاحيين بالرغم من وجودهم على الساحة، لكنهم قدموا أنفسهم كبديل مطلق وليس كمشارك ومحاور. وانحسر تيار على شريعتى الذى كان يمثل الإسلام التقدمى أو اليسار الإسلامى، لأن المحافظين يرفضون تجديد الأصول، والإصلاحيون يرفضون ربط الإصلاح بالأصول خشية الوقوع فى براثن المحافظة التاريخية.

وخشيت النظم العربية وهى فى مرحلة الثورة المضادة من إيران الثورة. وأخذت موقفاً سلبياً منها. والحجة فى ذلك التضامن مع دول الخليج خاصة الإمارات، وأبوظبى على نحو أخص فى موضوع الجزر الثلاث فى مدخل الخليج. وقد كانت الجزر الثلاث مفتوحة قبل احتلال الشاه لها واعتبار المحافظين لها بعد الثورة جزءا من الدولة القومية. كان يمكن أن تكون رمزا لإلغاء الحدود بين الدول الإسلامية ذات الحدود المصطنعة بعد سقوط دولة الخلافة. فلا توجد دولتان إسلاميتان إلا وبينهما خلافات فى الحدود. وقد أبقيت هذه الخلافات الحدودية عمدا حتى تظل كل دولتين جارتين عدوتين متحاربتين فلا تعود الوحدة بينهما كما كانت الدولة العثمانية. بل إن اسم الخليج نفسه أصبح عليه خلاف، فارسى أم عربى. وفى الواقع أصبح أمريكيا إسرائيليا لوجود الأسطول الأمريكى فيه ومرور البواخر الإسرائيلية منه. ونحن نتقاتل على الأسماء. وأصبح الخطر الداهم على الخليج الآن قادما من الشرق، من إيران، وليس من الغرب القريب، إسرائيل أو الغرب البعيد، الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن ألغت الصواريخ العابرة للقارات المسافات بين الدول.

وبدأ الموقف السلبى العربى من إيران خوفا على المصالح الضيقة أو تحت تأثير القواعد الأمريكية بالخليج. وفى نفس الوقت يتم التقارب مع إسرائيل. وتفتح مكاتب اتصال أو تجارية معها. ولولا الاحتلال الإسرائيلى للضفة والجولان لسار الخليج وراء الشقيقة الكبرى فى معاهدة سلام معها حتى ولو كانت سيناء منزوعة السلاح، منقوصة السيادة. وبدأت الشقة تزداد يوما وراء يوم. إيران لا ترعى إلا مصالحها القومية الضيقة فى جعل الخليج بضفتيه إيرانيا، لغة وثقافة وعرقا ثم سياسة وولاء وانتماء. وكما يوجد عرب الأهواز فى الضفة الشرقية للخليج يوجد شيعة الخليج فى الضفة الغربية له. ولاؤهم المذهبى سابق على ولائهم الوطنى. واختلط الأمر على العرب فى تقييمهم لثورة البحرين التى هى جزء من الربيع العربى لأن معظم من يقومون بالمعارضة هم شيعة البحرين. وبالتالى الحفاظ على الملكية فى البحرين هو حفاظ على عروبتها. والدفاع عن المعارضة فيها هو التخلى عن العروبة لصالح القومية الإيرانية. وبعد البحرين تأتى الكويت والإمارات، والمنطقة الشرقية فى السعودية. وهو ما يحدث الان فى شرق العراق حيث السيادة للشيعة فى مقابل الأكراد فى الشمال، والسنة فى الجنوب. ففى نفس الوقت الذى تتأكيد فيه القومية الإيرانية من خلال المذهب الشيعى واللغة الفارسية تتضائل فيه الوطنية العراقية وتصبح العراق عرضة للتجزئة. وهو المخطط المرسوم لكل الوطن العربى، فى سوريا ولبنان وليبيا والمغرب العربى واليمن والصومال والسودان والخليج بل ومصر، تجزئة مذهبية أو عرقية أو لغوية أو ثقافية حتى تنتهى الوحدة العربية كما انتهت من قبل الوحدة الإسلامية. ولا تبقى فى المنطقة إلا دويلات طائفية تكون إسرائيل بينها دولة طائفية عرقية، دولة يهودية، وتأخذ شرعية جديدة من طبيعة شرعيات المنطقة وليس الشرعية التى أعطاها إياها هرتزل والصهيونية الغربية فى «الدولة اليهودية».

وتعيب إيران علينا أن الشاه يرقد عندنا بعد أن لفظه العالم كله. لا يجد له مأوى فى الحياة أو فى الممات. ويعيبون علينا القواعد الأمريكية فى الخليج، والتحالف مع أمريكا، ومعاهدات السلام بين مصر والأردن من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى. ونعيب عليهم أنهم يعتبرون الربيع العربية امتدادا للثورة الإسلامية فى إيران، فى حين أن الثورات العربية ثورات أصيلة وليست امتدادا لأحد. ونعيب عليهم أنهم يغلّبون النزعة القومية على الثورة الإسلامية على عكس ما قامت به الثورة أولا فى 1979. ونعيب عليهم تأييدهم للنظام الاستبدادى السورى ضد ثورة الشعب السورى الذى ضحى بمئات الألوف من الشهداء والجرحى والمعتقلين فى حين أن مصالح إيران مع الشعب وليس مع النظام، وارتباطها بحزب الله من خلال الشعب باق وليس من خلال نظام استبدادى معين سيرحل عن قريب. وقد بدأنا منذ عدة عقود سياسة التقريب بين المذاهب. وأنشأنا لذلك فى إيران ومصر مؤسسة وإعلام لذلك، بين الشيخ القمى والشيخ مخلوف، بدلا من اعتبار الشيعة فى الوطن العربى دوائر للتجسس وخلايا للتآمر. ينقصهم الولاء للأوطان.

أليس من الأجدر إيجاد نقاط الاتفاق بين إيران الثورة والربيع العربى واعتبار النووى الإيرانى إضافة إلى النووى الباكستانى فى مواجهة خطر النووى الإسرائيلى؟ ألا يكفى تهديد إيران من إسرائيل وأمريكا كل يوم؟ وألا يكفى الربيع العربى تعثرا فى سوريا والبحرين؟ هل من الصعب التفرقة بين التناقض الثانوى بين إيران الثورة والربيع العربى، والتناقض الرئيسى، إيران الثورة والربيع العربى من ناحية، وإسرائيل وأمريكا من ناحية أخرى؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق