اخر الاخبار

24‏/09‏/2012

ماذا بعد حكم الإدارية العليا؟ بقلم د. حسن نافعة


قضى حكم المحكمة الإدارية العليا بأن مجلس الشعب الذى كان قد صدر قرار بحله لم يعد له وجود من الناحية القانونية، فحسم جدلا قانونيا وسياسيا طال، ووضع حدا نهائيا لمحاولات كانت تسعى جاهدة ليس فقط لعودة المجلس، بأغلبيته القديمة، لكن لتمكينه أيضا من إكمال مدته الدستورية، دونما حاجة لإجراء انتخابات تشريعية جديدة، إلا فى الحدود اللازمة لإصلاح العوار المحدود الذى أصابه واقتصر، من وجهة نظرهم، على ثلث الأعضاء فقط، وبعد هذا الحكم بات من المحتم إجراء انتخابات لاختيار مجلس شعب آخر، لكن بعد الانتهاء من كتابة الدستور والاستفتاء عليه، ليمارس السلطة التشريعية وفقا للصلاحيات المحددة فى الدستور الجديد. غير أن تأثيرات هذا الحكم لن تقتصر، فى تقديرى، على تأكيد قرار حل مجلس الشعب وسوف تؤدى، إن عاجلا أو آجلا، إلى حل كل من مجلس الشورى والجمعية التأسيسية.



أظن أن حل مجلس الشورى أصبح حتميا الآن وبات مسألة وقت، وذلك لسبب بسيط وهو أن الأعضاء المنتخبين فى هذا المجلس اختيروا وفقا لما يقضى به ذات القانون، الذى ثبت عدم دستوريته وترتب عليه صدور حكم نهائى بحل مجلس الشعب. ومن غير المعقول أن يحل مجلس الشعب ويظل مجلس الشورى قائما، رغم أن الحكم الأخير الصادر من المحكمة الإدارية يعنى ضمنا أن تشكيله باطل ليس من الآن فقط، لكن منذ قيامه. وفى حال صدور قرار بحله سيختفى مجلس الشورى نهائيا من الحياة المصرية، وربما يحل محله «مجلس شيوخ»، لكن بتشكيل وصلاحيات مختلفة.

على صعيد آخر، يبدو واضحا الآن أن وضع الجمعية التأسيسية سيصبح، عقب حل البرلمان بمجلسيه بالغ الحرج، وأشبه بوضع الابن اللقيط أو غير الشرعى. صحيح أن القواعد المعمول بها حاليا تقضى بصحة ونفاذ كل ما صدر من قرارات عن البرلمان المنحل، خاصة تلك التى أدت إلى تغيير فى المراكز القانونية، وهو ما قد يدفع البعض إلى التعلل بصحة تشكيل وقابلية الجمعية التأسيسية للاستمرار، رغم حل البرلمان الذى أنشأها. غير أن تلك حجة فاسدة ولا تستند إلى أساس متين لسببين، الأول: أن الجمعية لم تكمل المهمة التى شكلت من أجلها، والثانى: أن تشكيلها الحالى، الذى لا يختلف كثيرا عن التشكيل السابق الذى تم إبطاله بحكم قضائى كان، ولايزال، غير ملائم سياسيا ومطعوناً على شرعيته أمام القضاء، لأسباب لا علاقة لها ببطلان البرلمان. ولأنه لا يليق بمصر الثورة، فى جميع الأحوال، أن يولد دستورها الجديد والحى من رحم برلمان مات بعد أن فقد شرعية وجوده، فسوف يكون من حسن الفطن ومن قبيل المواءمة السياسية حل الجمعية التأسيسية فورا ودون إبطاء.

يكشف صدور هذا الحكم الجديد فى الواقع عن عمق حالة الارتباك التى تعيشها وتعانى منها مصر حاليا، بسبب سوء إدارة المرحلة الانتقالية من جانب المجلس العسكرى. ولأن المرحلة الانتقالية لا تنتهى، إلا باكتمال عملية بناء المؤسسات السياسية، وهو ما لم يحدث بعد، بسبب عدم وجود دستور وسلطة تشريعية، يمكن القول إن الدكتور مرسى أصبح وحده المسؤول عن إدارة ما تبقى منها، بعد تمكنه من إزاحة المجلس العسكرى وإنهاء دوره السياسى. وربما يكون من المفيد أن نتذكر مرة أخرى أن حالة الارتباك الراهنة، التى نجمت عن الإصرار على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، قبل إصدار دستور جديد، ليست طارئة ولم تكن مفاجئة وسبق لى ولغيرى أن نبهوا إليها وحذروا من أخطارها المحتملة.

لن تخرج مصر من حالة الارتباك الراهنة، إلا بعد صياغة دستور توافقى يقبل الجميع بالقواعد التى يحددها لإدارة اللعبة السياسية. لذا أظن أن اعتبارات المواءمة سياسياً ـ وربما يكون من المفيد أن نتذكر مرة أخرى أن حالة الارتباك الراهنة ليست مفاجئة وإنما كانت متوقعة تماما، وسبق لنا ولغيرنا أن نبه إليها وحذر من أخطارها، بسبب الإصرار على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، قبل إقرار الدستور الجديد ـ باتت تقضى بأن يبادر الرئيس المنتخب بحل الجمعية التأسيسية وإعادة تشكيلها وفق أسس وقواعد جديدة، بعد التحاور مع جميع القوى السياسية، على أن تضم جميع خبراء القانون الدستورى الكبار، وأن تنتهى من كتابة الدستور خلال فترة لا تتجاوز شهرين. دون خطوة حاسمة من هذا النوع ستظل مصر تدور فى حلقة مفرغة، لأنها باتت تدار بالقضاء والقدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق