اخر الاخبار

30‏/09‏/2012

عن التحالفات والائتلافات والاندماجات (١-٢)بقلم د. حسن نافعة


تجرى على مسرح السياسة المصرية هذه الأيام محاولات محمومة من جانب أحزاب وقوى سياسية من خارج تيار الإسلام السياسى، لتحقيق تحالفات أو ائتلافات أو اندماجات فيما بينها. وبينما تنحصر أهداف بعض هذه القوى والأحزاب فى تعظيم فرص حصولها على مقاعد أكبر فى البرلمان، بما يسمح بإحداث قدر من التوازن للحياة السياسية فى مصر، يرى بعضها الآخر أن الفرصة أصبحت سانحة لإلحاق الهزيمة بتيار الإسلام السياسى كله، وتشكيل بديل قادر على حماية وتثبيت دعائم الدولة المدنية فى مصر. والسؤال: إلى أين تتجه هذه المحاولات؟



للإجابة عن هذا السؤال، الذى أعتقد أن بوسعى أن أقدم للمحاولات الرامية للإجابة عليه إسهاما متواضعاً، سواء بحكم تخصصى المهنى أو بحكم انخراطى المباشر فى جهود مماثلة سابقة، أود أن أبدأ بالتعبير عما يعتمل فى وجدانى من مشاعر متناقضة إزاء ما يجرى، يبدو بعضها مدفوعا بالحرص على التمسك بأهداب الأمل فى مستقبل أفضل، أما بعضها الآخر فيبدو مسكوناً بعوامل قلق من نخبة سياسية لاتزال ممارساتها تعكس أمراضا بنيوية لم تبرأ منها بعد. ولا جدال فى أن الأمل فى احتمال نجاح النخبة السياسية، بفصائلها المختلفة، فى تحقيق ما عجزت عنه من قبل يعود إلى شعور عميق بأن شعب مصر، الذى استطاع أن يصنع ثورة تعد معجزة بكل المقاييس، قد تغير كثيراً ولن يستطيع أحد أن يجبره على العودة إلى حالة الخنوع التى كان عليها من قبل.

 وهذا متغير جديد ستكون له آثار إيجابية واضحة قد تجبر النخب السياسية التى لاتزال متحصنة فى خنادق أيديولوجية عفا عليها الزمن وتغلبت عليها نوازع العمل الفردى على حساب إجادة العمل الجماعى - على أن تتغير وأن تسعى للاستفادة من أخطاء الماضى. غير أن هذا الأمل يظل محكوماً فى النهاية باعتبارات موضوعية وعقلانية، وإلا تحول إلى نوع من السراب الخادع أو الوهم المريض.

ويبدو واضحاً من تحركات القوى السياسية غير المنضوية تحت مظلة «الإسلام السياسى» أنها بدأت تتشكل فى تجمعات ثلاثة: «حزب الدستور» بقيادة البرادعى، و«التيار الشعبى» بقيادة حمدين صباحى، و«تحالف الأمة المصرية» بقيادة عمرو موسى. وقد جرت مؤخرا محاولة لتشكيل جبهة موحدة من هذه التجمعات الثلاثة يأمل أصحابها فى أن تتحول إلى قوة سياسية كبرى قادرة على مواجهة تيار «الإسلام السياسى» فى الانتخابات التشريعية القادمة.

فى اعتقادى أن المتحمسين لقيام مثل هذه الجبهة يبنون تصوراتهم على مجموعة افتراضات، أهمها: ١- أن البرادعى شخصية مؤهلة لقيادة الجبهة ككل، بحكم دوره فى الحراك السياسى الذى مهد للثورة، ولحشد وتوحيد صفوف القوى الليبرالية، الرافضة قيام دولة دينية والراغبة فى التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة. ٢- أن حمدين صباحى وعمرو موسى يمكن أن يشكلا، بحكم قدرتهما على مخاطبة شرائح سياسية واجتماعية مختلفة، جناحين قويين لدعم هذه الجبهة. فحمدين يبدو، بحكم توجهاته القومية وخطابه الشعبوى، أكثر قدرة على مخاطبة تيارات قومية وشرائح اجتماعية باحثة عن العدل الاجتماعى ومهتمة بالقضايا الإقليمية، وموسى يبدو بحكم ارتباطاته القديمة بالنظام السابق، أكثر قدرة على استعادة ثقة شرائح وطنية ارتبطت مصالحها بالنظام القديم، دون أن تشكل جزءاً من فساده. ٣- أن تيارات الإسلام السياسى، بفصائله المختلفة، تبدو فى أضعف حالاتها الآن: فالإخوان يدفعون ثمن تخبطهم فى ممارسة السلطة وعجزهم عن الوفاء بوعودهم، والسلفيون يبدون منقسمين على أنفسهم، بدليل انفجار حزب النور من داخله، وقد يدفعون غالياً ثمن عدم نضجهم السياسى وتصرفات بعض الرموز المحسوبة عليهم، من أمثال البلكيمى وغيره. غير أن هذه الافتراضات الثلاثة لم تختبر بعد، وليس من المؤكد ثبوت صحتها عند الاختبار.

لا ينكر أحد أن الدكتور البرادعى يتمتع بمزايا كثيرة -من أهمها وضوح رؤيته السياسية ونزاهته الشخصية- تؤهله نظريا على الأقل لقيادة هذه الجبهة. غير أن به عيوباً خطيرة لمستها بنفسى حالت، فى تقديرى، دون تمكنه من قيادة الثورة، بعد أن فوجئ بقطارها يتحرك فى ٢٥ يناير وهو غائب وبعيد عنها. فخلف وداعته الظاهرة يتخفى غرور كامن يصور له دائماً أنه الأكبر والأهم والأفضل من كل من حوله. ولأنه تعامل مع السياسة كهاو يريد أن يشغل أوقات الفراغ، وليس كرسالة تفرض على صاحبها تضحيات جساماً يتعين أن يكون مستعداً لدفع أثمانها فى أى وقت، فقد عجز عن إدراك دور كانت الأقدار تؤهله للقيام به، مفضلا البقاء كثيراً فى الخارج، بحجة ارتباطه بتعاقد لكتابة مذكراته الشخصية، على التواجد لقيادة حركة التغيير ميدانيا من الداخل. غير أن المشكلة التى تهمنا فى هذا المقام وجود ميل طبيعى لدى الدكتور البرادعى للتعامل مع أهل الثقة وليس مع أهل الخبرة.

ولكى لا أبدو متجنياً على الرجل، سأعطى مثالاً حياً من واقع خبرتى الشخصية فى التعامل معه، حين كنت منسقا عاما للجمعية الوطنية للتغيير. ففى أحد الاجتماعات المخصصة لبناء هيكل تنظيمى لهذه الجمعية، فوجئت به يرشح صديقين له - كان قد دعاهما لحضور الاجتماع، تصادف أنهما صديقان لى أيضا للعمل - منسقين عامين مساعدين من خلال قيادة جماعية. ولأنه لم يسبق لأى منهما ممارسة أى نشاط سياسى محلى، حيث كانا دبلوماسيين بالمعاش، فقد اعتذرا بأدب عن عدم القيام بهذه المهمة الحساسة، وتبين لى فيما بعد أنه لم يتشاور معهما مسبقاً حول هذا الاقتراح. وقد استخلصت من هذه الواقعة ميل الدكتور البرادعى للعمل مع أهل الثقة. لذا لست واثقاً من أن الدكتور البرادعى، الذى قبل مؤخراً رئاسة حزب الدستور، سيجد من الوقت وسيتحلى بالصبر اللازم لتمكينه من الممارسة الفعلية لقيادة حزب ناشئ. ولأننى أعتقد أن تماسك وانطلاق الحزب الجديد سيتوقفان إلى حد بعيد على تفرغ الدكتور البرادعى التام لهذه المسؤولية، وهو ما أشك فيه كثيراً، يبدو لى أن الدكتور البرادعى قد لا يكون رجل المرحلة.

نستكمل الفرضية الثانية فى المقال المقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق