اخر الاخبار

03‏/09‏/2012

فى تفسير نخنوخ للبلطجة عماد الدين حسين


لايزال بعضنا يعتقد أن الحرامى هو ذلك الشخص الذى يلبس «تى شيرت مخطط» ويمسك فى يديه بسلسلة تحوى عشرات المفاتيح. هؤلاء يعتقدون أيضا أن البلطجى هو ذلك الشخص الذى يخلع قميصه ويسير فى الشارع عارى الصدر أو مرتديا فانلة بحمالات، وفى يده ساطور أو سيف أو سنجة أو مطواة قرن غزال لابتزاز خلق الله والحصول على إتاوة.
 
هذه مفاهيم كلاسيكية قديمة، الحرامى أو البلطجى يمكن أن يكون الآن أى شخص من أول المسجل خطر الصغير حتى رئيس الجمهورية، لأن ما فعله مبارك فى شعبه طوال الثلاثين عاما تنطبق عليه كل مواصفات البلطجة. 


المعلم صبرى نخنوخ يبدو أنه لايزال يعتنق المفهوم الكلاسيكى لكلمة بلطجى، ولذلك كرر خلال سلسلة ظهوراته الإعلامية المكثفة اندهاشه وتعجبه واستغرابه من وصف بعض وسائل الإعلام له بالبلطجة حيث قال نصا: «رجل مثلى بهذه الثروة الضخمة لا يحتاج إلى أن يصبح بلطجيا»، مضيفا فى حوار آخر: «هو أنا لو بلطجى حيبقى عندى القصر ده والفلوس دى كلها؟!».

لن ندخل فى جدل هل نخنوخ بلطجى أم لا، مع ملاحظة أن النيابة العامة قررت توجيه سبع اتهامات له ظهر السبت الماضى من بينها البلطجة.

لن ندخل فى جدل أيضا حول هل نخنوخ متهم أم برىء حتى يتم الحكم عليه بعد محاكمة عادلة.

لكن فهم نخنوخ وغيره للمفهوم الضيق لكلمة بلطجة يدعونا إلى مناشدة الكثيرين توسيع فهم المصطلح حتى نستطيع أن نفهم ما يحدث فى المجتمع.

 لدينا المئات ممن يرتدون أفخر الثياب ويملكون أضخم الأموال ويركبون أحدث السيارات، لكنهم بلطجية مع مرتبة الشرف.

ولذلك نلفت نظر نخنوخ وغيره من «النخانيخ» إلى انه عندما تؤجر وتشغل مئات البلطجة لإنجاح مرشح ضد آخر، فأنت لست فقط بلطجيا بل كبير البلطجية.

وعندما يقوم رجالك بإشعال المشاجرات والخناقات والمعارك داخل الكباريهات والبارات وتتطاير الزجاجات أو فضها لمصلحة آخرين، فأنت عتيد فى البلطجة.

وعندما ترسل رجالك أو صبيانك لنصرة شخص أو عائلة أو فنان فى مشاجرة فى أى مكان فأنت لست فقط بلطجيا بل مرتزق أيضا وبلطجى بالإيجار لأنك ستنال مقابلا لهذا العمل، حتى لو لم يكن مالا سائلا، بل خدمات أخرى.

المعلم نخنوخ ــ كما يحب البعض أن يناديه فى شارع الهرم ــ فى تقديرى كان ضحية نظام، مثلما كان ترسا فى هذا النظام.

الآن يتكشف لنا الجانب المظلم من نظام مبارك الذى ظل قابعا خلف «الغرف المعتمة» طويلا.

أمثال نخنوخ كانوا أعمدة أساسية يقوم عليها هذا النظام، خصوصا فى إنجاز وإنهاء الأعمال القذرة من قبيل تزوير الانتخابات وردع مظاهرات السياسيين، ومحاولة إفشال أى محاولة شعبية للتخلص من الظلم والفساد والاستعباد.

القضاء قد يدين نخنوخ بتهم عادية مثل حيازة مخدرات وأسلحة غير مرخصة أو حتى البلطجة وممارسة الدعارة واقتناء حيوانات مفترسة. لكن المهم كيف ندين أمثاله على مشاركتهم فى إرهاب المجتمع؟!

رغم كل ذلك فالرسالة التى ينبغى أن تصل إلى كل النخانيخ هى: اتعظوا لا أحد محصن، مهما كثر ماله، ومهما جلس مع الكبار والمشاهير من فنانين ولاعبى كرة.

ألا تدركون أن أكبر رأس فى البلد قد سقط ويقبع فى السجن الآن.. فاتعظوا.

رفع الغطاء السياسى ــ إلى حد ما ــ عن جزء من نظام مبارك بدأ يجعلنا نشم بعض الروائح القذرة والمتعفنة. بدأنا نعرف بعض ميكانزمات هذا الحكم الفاسد وكيف كانت تروسه تدور فى الخفاء.

الرائحة قد تكون عفنة، لكن علينا أن نتحملها قليلا حتى ننظف جسد الوطن بأكمله منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق