اخر الاخبار

08‏/08‏/2012

علاء أبوالقاسم وحكومة التكنوقراط بقلم منار الشوربجي



يبدو أننا إزاء دولة بليدة لا دولة عميقة. فبعد ثورة عظيمة كان فى طليعتها شباب وطنى مبدع، لم يتغير أداء الدولة البليدة مطلقاً فى التعامل مع شباب مصر. فقصة بطل الأوليمبياد علاء أبوالقاسم، الذى فاز بالفضية فى رياضة المبارزة، تمثل صحيفة اتهام للتعليم والإعلام والرياضة. فقد طردته كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية بعد أن رفضت الاعتراف ببطولاته الدولية، وتجاهل الإعلام تلك البطولات، وأصر «علاء» على تحقيق هدفه رغم غياب الدعم المادى للرياضة التى تفوق فيها.



وما صرح به «علاء» كان مقتضباً، فلم نعرف السبب وراء عدم اعتراف جامعة الإسكندرية ببطولاته، لكنه قال إن منحة لدراسة الهندسة فى الأكاديمية البحرية أنقذت مستقبله الدراسى. ويبدو أن الإعلام الرياضى لم يكن أفضل حالاً من التعليم العالى فى التعامل مع تفوق «علاء». فالواضح أنه تجاهل بطولاته هو الآخر، فلم يعرف المصريون أن الشاب سبق له أن أحرز بطولات وميداليات دولية، بل حصل على بطولة العالم للناشئين فى رياضة المبارزة. بل أكثر من ذلك، حين أحرز «أبوالقاسم» الفضية، اهتم الإعلام «بالصعوبات» التى وضعها القدر فى طريقه، من وفاة والده قبل المسابقة بشهرين لإصابته فى المباراة النهائية. لكن أغلب وسائل الإعلام تجاهلت «صعوبات» أخرى حدثت بفعل فاعل، حين تعرض للطرد من الجامعة وللتجاهل الإعلامى والأدبى. لكن الإعلام يشترك مع جهاز الشباب والرياضة فى الاستغراق شبه المطلق فى عالم كرة القدم. فلا الإعلام يهتم بالرياضات الأخرى بالقدر نفسه ولا جهاز الرياضة يقدم الدعم والتمويل اللازمين لها، خصوصاً إذا كانت رياضات فردية. وتذكرنى قصة «علاء» بقصة مماثلة حدثت فى التسعينيات حين تعرضت السباحة رانيا علوانى للتجاهل والتشكيك فى قدراتها، ثم بقدرة قادر صارت «سمكة مصر الذهبية» حين فازت بالميدالية!

ولأن المنافسة الرياضية تجرى وقائعها علنا، فقد عرفنا بقصة «علاء» و«رانيا» من قبله. لكن ما يحدث لشبابنا فى مجال الرياضة لابد وأنه يحدث لهم أيضاً فى كل المجالات من البحث العلمى والابتكار إلى الفنون والآداب. فعلاء أبوالقاسم واحد ضمن الملايين من شباب مصر الجاد الذى يمتلك الموهبة ويعانى من التجاهل وغياب الدعمين الأدبى والمادى. وتغيير حال الشباب، مثل تغيير حال مصر كلها، لن يتحقق إلا من خلال رؤية سياسية جديدة لا من خلال الحلول الفنية التى يقدمها التكنوقراط. فالتعليم الذى يتطور وفق «متطلبات 
السوق» هو بالضرورة التعليم الذى يطرد علاء أبوالقاسم من الجامعة، لأنه تعليم يُحَوّل الإنسان من هدف للتنمية إلى ترس فى عملية هادفة للربح. والإعلام الكسول الذى يميل للإثارة لابد أن يتجاهل المواهب والكفاءات. أما جهاز الرياضة المستوعب فى دعم بالملايين لرياضة واحدة على حساب كل ماعداها فهو مقطوع الصلة تماماً بمفهوم النهضة التى لا يمكن حدوثها أصلاً إلا بالتركيز على البشر وتفجير مواهبهم وطاقاتهم الإبداعية فى كل المجالات بما فيها شتى أنواع الرياضة.

وما تحتاجه مصر هو تغيير الرؤية السياسية لا حلول فنية جديدة. فبدون تلك الرؤية السياسية تظل التفاصيل الفنية التى يركز عليها التكنوقراط مجرد تفاصيل قد تحل مشكلة هنا أو هناك لكنها تعيد إنتاج الواقع ولا تغيره. فالتكنوقراطى يركز على الأشجار، وقد لا يرى الغابة بكل ما فيها. أما وقد اختار الرئيس أن تكون حكومته حكومة تكنوقراط، فقد صار هو المسؤول شخصياً عن تقديم الرؤية السياسية. لذا يتحتم أن يعفى نفسه من الاهتمام بالقضايا الفرعية وتفاصيلها ويتركها للتكنوقراط، حتى يتفرغ هو للعناية بالرؤية السياسية الجامعة التى تحدد تلك التفاصيل أصلاً وترتبها من حيث الأولوية والتكامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق