اخر الاخبار

15‏/08‏/2012

الدولة العميقة.. والدولة العبيطة عماد الدين حسين


هل هناك مادة كيميائية فى كرسى رئيس الجمهورية تعطى لمن يجلس فوقه قوة سحرية تجعله يقترح معجزات نظن أنها مستحيلة؟! 
 سوابق متعددة تؤكد ذلك،  منها ان انورالسادات كان ضعيفا جدا وسط كبار رجال دولة يوليو، وظن البعض انه رئيس مؤقت، حتى يتفقوا على رئيس من بينهم، لكن وبعد أقل من 7 أشهر على توليه السلطة كان قد التهم كل معارضيه بقرار واحد يوم 15 مايو 1971.
 مبارك نفسه ــ الذى  يوصفه كثيرون بأنه كان أقرب إلى تركيبة الرئيس الموظف ــ جلس على كرسى الرئاسة ثلاثين سنة متواصلة لأنه كان ماهرا فقط فى فهم مفاتيح السيطرة على المفاصل الرئيسية للدولة.


ربما كان الفارق أن محمد مرسى ــ الذى سخر منه كثيرون ايضا ــ فعل كل هذه الأمور بعد أقل من أربعين يوما من توليه المنصب.

هل هناك تفسير لهذه القوة السحرية؟!.

يقول البعض انها قوة الشرعية، فالرجل جلس على الكرسى بعد فوزه بانتخابات نزيهة.

يقول البعض الآخر ان مصر الدولة الضاربة فى جذور التاريخ وأقدم دولة مركزية بالعالم تقدس الحاكم الفرعون مهما كان اسمه أو شكله أو لونه. ففى اللحظة التى يجلس فيها على الكرسى يتعملق ويكتسب صفات جديدة تماما.

أكره ادعاء الحكمة بأثر رجعى، لكن وقبل نحو أسبوعين كتبت مشروع مقال عن أن الموجود عندنا هو «الدولة العبيطة وليس العميقة» وناقشته مع بعض الزملاء خلاصته أن الكلام الكثير عن الدولة العميقة قد لا يكون صحيحا على طول الخط. لم أكمل الفكرة حتى أحصل على معلومات تثبته، ثم جاءت قرارات مرسى لتؤكد أن الدولة العميقة هى من نسج خيال من يتمنون وجودها.

الذى فعله مرسى هو الوصفة التى سار عليها اسلافه.

فاز الرجل بانتخابات حرة، نزل إلى الشارع  والميدان وكسب جزءا كبيرا منه، ثم استقبل فى القصر ممثلين لهيئات ونقابات ومؤسسات.

جرب اعادة مجلس الشعب المنحل، وفشل، وتقبل الهزيمة بروح رياضية، ولم يدرك معظمنا ان هذا القرار كان البروفة للضربة الكبرى.

شكل حكومة هشام قنديل بطريقة تجعله الشخص الأكثر بروزا فى الصورة، وأهم ما فى وزارة قنديل كان ضمان وجود شخص فى الإعلام ــ خصوصا التليفزيون ــ يستطيع الرئيس أن يثق فيه.

وبعدها بأيام كان قرار تغيير كل رؤساء التحرير وتعيين زملاء جدد، سيظلون مدينين لمناصبهم للإخوان.

الخطوة التالية كانت إحالة رئيس جهاز المخابرات مراد موافى للتقاعد، وابعاد قائد الشرطة العسكرية حمدين بدين ومدير أمن القاهرة ورئيس قطاع الأمن المركزى.

يعتقد البعض أن هذه التغييرات كانت بسبب مأساة مذبحة رفح ثم عدم تمكن الرئيس من حضور جنازة تشييع الجنود، لكن علينا أن نتذكر أن كل الذين تم إبعادهم قبل «الضربة الكبرى» كانوا أولئك الأشخاص الذين يملكون إمكانات التحرك فى الشوارع وتحت أيديهم جنود كثيرون يأتمرون بأمرهم.

الشىء الغامض الوحيد هو ماذا حدث بالضبط بين الرئيس والمشير والفريق وماذا حدث داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟.

تم تهيئة الخشبة الرئيسية للمسرح وبعدها ضرب مرسى ضربته الكبرى، وصارت فى يديه صلاحيات تفوق صلاحيات فرعون موسى نفسه.

الحديث عن الرئيس الفرعون يطول لأنه بطول تاريخ مصر، لكن إذا كان كرسى الرئاسة يعطى لصاحبه قوة اسطورية، فإن هذه القوة ليست مضمونة على طول الخط.

لنتذكر أن كل سلطات مبارك  تبخرت فى لحظات عندما عم الفساد وانسد أفق التغيير. فانتهى الآن فى سجن طرة.

 ذلك هو الدرس.. الضمان الوحيد للحاكم أن يكون  وطنيا وعادلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق