اخر الاخبار

12‏/08‏/2012

أسباب الإرهاب بقلم عمرو الشوبكي


عقب كل حادثة إرهابية يفتح «ملف الأسباب» بصورة يعتبرها البعض مدخلاً خفياً للتبرير أو إلقاء التهم، بحيث أصبح فى كثير من الأحيان حديث الدوافع والأسباب مجرد مدخل للهروب من إدانة الإرهاب بصورة صريحة وقاطعة.

والحقيقة أن إدانة الإرهاب بكل صوره وأشكاله، سواء كان يستهدف مصريين أو عرباً أو أجانب، وسواء كان يستهدف مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً أو الإنسان أينما كان، مسألة واجبة أخلاقيا وسياسيا، لكن البحث عن دوافعه مسألة أخرى، خاصة أنها ظلت مسيطرة على مراكز صنع القرار الأمريكية فى أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر، واختزلتها فى النهاية إما فى الظروف السياسية والاقتصادية التى تعيشها البلاد العربية والإسلامية أو فى الإسلام نفسه، حيث اعتبرته بعض الأوساط المتشددة فى الغرب مسؤولاً عن الإرهاب ولو بصورة غير صريحة تماما.


ولايزال كثير منا يتذكر هذا التباين بين نظم ما قبل الثورات العربية والولايات المتحدة فى قراءة أسباب الإرهاب، فقد اعتبرت الأخيرة الاستبداد وغياب الديمقراطية فى المنطقة هما سبب الإرهاب، واعتبرت الأنظمة العربية، خاصة مبارك وإخوانه الراحلين فى تونس وليبيا وسوريا إن شاء الله، أن سياسات الولايات المتحدة وعدم حل القضية الفلسطينية هما سببا انتشار الإرهاب وتصاعده.

وبدا الأمر مدهشا حين أقر الجانبان بأن هناك دوافع سياسية وراء الإرهاب، لكنها تلك التى يتحمل مسؤوليتها فقط الطرف الآخر، فالدوافع السياسية للإرهاب كانت بالنسبة للجانب العربى هى ما يتعلق فقط بعدم حل القضية الفلسطينية واحتلال العراق، أما بالنسبة للجانب الأمريكى فكانت الاستبداد المحلى وغياب الثقافة الديمقراطية.

والحقيقة أن البعدين مسؤولان عن تصاعد الإرهاب فى العقود الأربعة الأخيرة، حتى لو تحملت البيئة الدولية، التى أعقبت الحرب الأمريكية على الإرهاب، مسؤولية أكبر فى انتشاره ودون تجاهل مسؤولية نظم الاستبداد العربية الراحلة والعائدة.

والواقع أن الجانبين العربى والأمريكى حاولا ـ كل بطريقته ـ أن يقدما تفسيريهما الخاصين للإرهاب بصورة تبعدهما عن تحمل مسؤوليتهما، ونسيا أن الإرهاب الذى عرفاه فى منتصف القرن الماضى واجهاه أولا بمعرفة أسبابه ودوافعه، فقد تعاملت الحكومات الأوروبية مع الإرهاب اليسارى فى الستينيات والسبعينيات حين عملت على حصاره سياسيا بدمج القوى اليسارية والشيوعية السلمية، رغم رفضها فى البداية للديمقراطية الليبرالية داخل النظام الديمقراطى، ثم أجرت إصلاحات اقتصادية على النظام الرأسمالى، وقدمت تنازلات للطبقة العاملة وللطبقات الفقيرة، فعزلت الجماعات الإرهابية عن جمهورها، الذى ادعت أنها تلقى القنابل وتقتل كبار الرأسماليين من أجله، كما جرى فى فرنسا وإيطاليا وغيرهما.

المؤسف أن الخلاف الحالى بين فرقاء الساحة السياسية المصرية حول من المسؤول عن جريمة رفح ذكرنى بما جرى بين النظم العربية وأمريكا فى العقد الماضى فى التعامل مع الإرهاب، فكل طرف يصر على أن يتهم خصمه الأيديولوجى بأنه هو الذى دبر ونفذ جريمة رفح، فإما إسرائيل أو حماس، دون أن يبذل أى جهد لمعرفة أسباب الإرهاب الجديد، والدوافع الاجتماعية والسياسية التى أدت إلى تمركزه فى سيناء، وإن القول بأن هناك إرهاباً دينياً تكفيرياً مسؤولاً غالبا عن هذا النوع من العمليات أمر لا يخص باقى التيارات الإسلامية، ولا حتى ينفى احتمالات اختراق إسرائيل هذه التنظيمات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق