اخر الاخبار

21‏/07‏/2012

مصريون في المهجر يتطلعون للعمل السياسي بقلم سعد الدين ابراهيم



قد يخرجون من مصر، ولكن مصر لا تخرج منهم. هذا هو حال آلاف المصريين فى المهجر، وقد التقيت فى رحلتى الأخيرة (            7-17/7/2012      ) إلى أوروبا والولايات المتحدة أعداداً منهم، وعلى امتداد ساعات طويلة قضيتها مع الجاليات المصرية، كانت هذه المقولة تتأكد من جديد، فالمصريون فى المهجر يُتابعون أخبار الوطن بشغف وحب.


ولكن الجديد منذ ثورات الربيع العربى، هو ظهور نزعة مُتزايدة للمُشاركة فى العمل العام، ومن هنا إلحاحهم على مُمارسة حقهم فى المُشاركة السياسية، من خلال إدلائهم بأصواتهم فى الاستفتاءات والانتخابات المُتتالية، منذ 19 مارس 2011 إلى الانتخابات الرئاسية فى مايو 2012.



وضمن هذه الحيوية السياسية للمصريين فى الخارج رغبة عدد منهم فى خوض غمار الترشح للمناصب العامة، وقد تناولت بالفعل فى أحد مقالاتى بهذه الصحيفة إلحاح سائق تاكسى مصرى، وهو عبدالوهاب حسن، يعمل فى العاصمة الأمريكية، وقد ادخر عشرة ملايين دولار، خلال عشرين سنة بعد هجرته من المحلة الكُبرى إلى الولايات المُتحدة، أن أنوّه عن رغبته تلك. وهو ما فعلته (المصرى اليوم 2/10/2010) بعنوان «هل للمصريين بالخارج أى وزن فى الانتخابات؟».


واستفسرت عن الرجل الطموح، ولماذا لم يستمر فى طموحه السياسى. فقيل لى إن الرجل بدأت تظهر عليه أعراض المنصب الذى يطمح إليه، قبل أن يبدأ أول خطوة عملية، وهو ما أثار غضب زوجته المصرية عليه، التى كان أقصى أحلامها الاستقرار فى أمريكا، وتوفير فرصة حياة كريمة لأطفالها الأربعة. واعتقد هو أن زوجته تُعرقل طموحاته السياسية المشروعة. وانتهى الأمر بينهما بالفراق، وأصر هو على عودته إلى مصر، واكتشف هو مُتأخراً أن قانوناً مصرياً جديداً يُحرمه من الترشح للمنصب الرئاسى، لأنه رغم أصوله المصرية، واستمراره فى حمل جنسيتها، إلا أنه يحمل جنسية أخرى (الأمريكية)، وهو ما لا يسمح به القانون المصرى حالياً.


وفى الرحلة الأخيرة (مُنتصف يوليو) صادفت طامحاً مصرياً، أكثر جدية وأكثر جدارة، وهو الدكتور عادل سليمان كبيش، إخصائى جراحة العظام، وهو أستاذ فى كلية الطب بجامعة «جونز هويكتر»، الشهيرة.


ولأننى أعرف د. عادل كبيش منذ عدة سنوات، ولم يسبق أن سمعت منه أى رغبة للعودة إلى مصر، أو العمل السياسى، فقد استغربت هذه الرغبة المُفاجئة، لكن الطبيب النابه فسّر الأمر كالآتى:


أنه حقق كل طموحاته العلمية والمهنية والمادية، فبعد حصوله على بكالوريوس الطب من جامعة القاهرة، حصل على الماجستير والدكتوراه من أرقى الجامعات فى كندا والولايات المتحدة، وقام بالتدريس فى أرقى الجامعات، إلى أن انتهى به المطاف فى أعظمها وهى جونز هويكتر.


وهو يُقيم فى قصر جميل، فى إحدى ضواحى مدينة واشنطن، وقام هو بتصميمه، وتحيط به مساحات خضراء شاسعة، استزرع فيها كل الأشجار والنباتات المصرية، القابلة للتأقلم والنمو فى ذلك الجزء من أمريكا الشمالية.


ولكنه كان، كأى مصرى مُغترب، لم يغب عنه الحنين إلى مصر، وهو من أسرة عريقة بمحافظة الشرقية، وله من الإخوة خمسة، كلهم مهنيون مرموقون، ومنهم شقيق أصغر هو د. محمد كبيش، عميد كلية الحقوق، بجامعة القاهرة. وأحد مظاهر حنين عادل كبيش إلى مصر واعتزازه بمصريته أنه ملأ القصر بالنجف والأثاث المصرى.


بعد انفجار ثورة يناير 2011، انتاب د. عادل كبيش، نفس ما انتاب معظم المصريين من أحاسيس الحماس والفخر والرغبة فى تقديم ما يستطيع، مُساهمة منه فى تحولها الديمقراطى وتنميتها الاقتصادية، فعاد لزيارتها فى العام الماضى، وتجول فى أرجائها، ودرس الكثير من مشكلاتها على الطبيعة، وتحدث إلى العشرات من أقاربه، وزملاء صباه وشبابه.


وعكف عادل كبيش على إعداد الدراسات والمُخططات للتعامل مع مشكلات الحاضر وتحديات المستقبل فى مصر، وأسرَّ د. عادل كبيش لى فى هذه الزيارة، أنه أصبح جاهزاً لتولى منصب قيادى تنفيذى، يستطيع به ومن خلاله الإسهام فى إنقاذ الوطن من اختناقاته الحالية، والنهوض به لكى يأخذ مكانه المرموق فى عداد أعظم عشرين دولة خلال العشر سنوات القادمة!


اصطحبت د. عادل كبيش إلى العديد من اللقاءات بالصحافة الأمريكية وبالمسؤولين الأمريكيين، ولمست فيه قدرات عالمية للاستيعاب، واللباقة فى التعبير. كذلك أعجبنى فيه أنه كان يُتابع بمفرده، أى بعد مُغادرتى أمريكا، كل الملفات المهمة التى بدأنا مُناقشتها سوياً مع المسؤولين الأمريكيين.


إنه لم يُفاتحنى برغبته فى خوض غمار العمل العام فى مصر من قبل، لأن ظروف مصر فى عهد مُبارك لم تكن تسمح من ناحية، ولأنه لم يكن قد درس واستعد لهذه المهمة، من ناحية أخرى. أما الآن، فهو يشعر بأن الوقت مُناسب تماماً، وأنه أصبح مُستعداً إلى حد كبير.


وعلى سبيل المُداعبة، سألت د. عادل كبيش، عن الموقع الذى يعتقد أنه مُناسب له، وكنت أعتقد أنه سيقول «وزيراً للصحة»، ولكنه فاجأنى بسرعة الإجابة، وهى «رئيس للوزراء»!


أبديت دهشتى للإجابة، فقال الرجل إن الذين يصلون لمنصب وزير الصحة من معارفه وأصدقائه كثيرون، أما الموقع الذى يستطيع أن يخدم منه مصر، فهو موقع «رئيس الوزراء»، وقد أعد نفسه لهذا الموقع على مدار الخمسة عشر شهراً، التى تلت سقوط نظام حسنى مُبارك.


سألت د. عادل كبيش عما إذا كان من يهمهم الأمر فى مصر المحروسة لديهم فكرة عن طموحاته واستعداداته، وخاصة من يحكمون الآن، وهم الإخوان المسلمون؟ فأجاب الرجل، «لا»، ولكنه يعتمد علىّ، كما فعلت مع السائق عبدالوهاب حسن، فى أن أنقل رغبته واستعداده إلى أولئك الذين يهمهم الأمر.


أما وقد تأخر الرئيس محمد مرسى فى اختيار رئيس للوزراء ومجلس للوزراء، فربما لا يزال الوقت مواتياً لترشيح الطبيب النابه، لذلك المنصب.


اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق