اخر الاخبار

06‏/04‏/2011

شراء مجلس الشعب /منار الشوربجي

حين دعانى حزب الجبهة الأسبوع الماضى للقاء مع شباب الحزب وأعضائه، طالب واحد من الشباب أثناء اللقاء بالقضاء على ظاهرة «خدمات نواب البرلمان لأهالى
الدائرة»، ودعا لضرورة التخلص من الصورة المهينة التى ينحنى فيها النواب أمام الوزراء للحصول على توقيعاتهم على الطلبات، ورغم أننى تفهمت مغزى ما قاله الشاب ودوافعه النبيلة فقد قلت إن خدمة أهالى الدائرة مسألة موجودة ومشروعة فى شتى أنحاء العالم، بل هى جوهر ما يسمى بالتمثيل السياسى
.
فنائب البرلمان له وظائف ثلاث رئيسية، الأولى «تمثيل» أبناء دائرته الذين انتخبوه، فهو انتخب «ليمثلهم فى البرلمان»، بل وليمثل الأمة كلها فى القضايا القومية
.
والوظيفة الثانية للنائب هى التشريع أى كتابة قوانين البلاد والتصويت عليها
.
أما الوظيفة الثالثة فهى الرقابة على أداء المؤسسة التنفيذية كلها بدءا بالرئيس والوزراء ومروراً بالمحافظين، ووصولا إلى الهيئات والمصالح الحكومية المختلفة
.
لكن ما كان يحدث فى برلماناتنا المتعاقبة لا علاقة له بالتمثيل السياسى أصلاً وإنما هو أحد تجليات منظومة الفساد، فهو صورة من صور إفساد الحياة السياسية بل وجعل الفساد هيكليا عبر إفساد المواطنين أنفسهم. فالنائب عندنا بدلا من أن يسعى لحل مشكلات دائرته وأبنائها بالطرق المشروعة كان يستغل موقعه ليحول نفسه إلى «واسطة» تحصل على توقيع الوزير فلان على توظيف أحد أبناء الدائرة متخطيا بذلك من هم أحق بالوظيفة أو أكثر كفاءة. ثم يحصل على توقيع الوزير علان على تصريح أو رخصة ما كان طالبها ليحصل عليها دون إمضاء الوزير. ومثل هذا السلوك ينشئ حلقة متكاملة من الفساد
.
فهل تتوقع سيادتك من نائب انحنى للوزير للحصول على شىء غير قانونى أن يمارس رقابة من أى نوع على ذلك الوزير أو يبادر بتقديم تشريع لإصلاح القطاع الذى يتولاه ذلك الوزير؟ وهل ياترى تتوقع من الوزير أن يعير ذلك النائب اهتماما إذا ما تقدم بسؤال ما أم أن الأقرب للواقع هو أن يشغل الوزير نفسه أثناء الجلسات بقزقزة اللب؟
!
لكن هذا السلوك الفاسد الذى ظل النواب يمارسونه لعقود طويلة هو مجرد صورة من صور التحايل لشراء مجلس الشعب. فانتهاك القانون باسم خدمة أبناء الدائرة يماثل تماما رشوة المواطنين لحظة التصويت. ففى الحالة الأولى يقدم النائب رشاوى عينية لأبناء دائرته للاحتفاظ بمقعده، وفى الثانية يقدم لهم رشاوى مادية للحصول على المقعد أو الاحتفاظ به. وفى الحالتين، الهدف هو شراء المقعد حتى لو أدى ذلك إلى انتهاك القانون أو إفساد الناس
.
غير أن هناك وجهاً آخر لظاهرة شراء مجلس الشعب وهى التى سيتم اللجوء إليها على الأرجح فى الانتخابات القادمة وهى المال الذى ينفقه النائب فى حملته الانتخابية
.
فالمرشح قد ينفق من ماله الخاص مبالغ طائلة فى حملته قد تتخطى المليون أو يتلقى تبرعات بمبالغ مماثلة من جهات أو أشخاص يسعون لضمان ولاء النائب بعد نجاحه أو لأن أفكار النائب سوف تساعدهم على إصدار تشريعات بعينها تخدم مصالحهم. وفى الحالتين نكون إزاء شراء للبرلمان وأعضائه بالمال لخدمة مصالح بعينها بينما لا يكون هناك تمثيل يذكر للمصالح التى تفتقر للمال. والشىء نفسه يصدق بالمناسبة على المرشحين للرئاسة
.
ومن هنا، فعلينا أن نضع فى قائمة أولوياتنا تنظيم دور المال فى العملية السياسية قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية وذلك عبر ضمان الشفافية الكاملة. فمن الضرورى للغاية الإصرار على أن يقدم كل مرشح للبرلمان أو الرئاسة بيانات تفصيلية على كل جنيه يتلقاه كتبرع لحملته الانتخابية، بدءاً بهوية المتبرع وبياناته الشخصية وحجم المبالغ التى تبرع بها ثم أوجه الإنفاق التى ذهبت إليها تلك الأموال فى إطار الحملة الانتخابية، مع فرض عقوبة رادعة على من يتخلف عن تقديم تلك البيانات. فمن حقنا نحن المصريين أن نعرف من بالضبط يمول من. كما أنه من حقنا أن نعرف حجم الأموال التى ينفقها المرشح من جيبه الخاص من أجل شغل وظيفة سياسية
.
وتلك المعلومات تساعدنا على فهم أهداف ذلك التمويل ومدى مشروعيتها أصلا
.
ومن الضرورى أيضا تحديد سقف الأموال التى يحق للمرشح إنفاقها على أن توضع الأموال المتلقاة فى حساب خاص لا فى حساب المرشح الشخصى لإغلاق باب التربح من العمل السياسى
.
ومن حقنا أيضا أن نصر على تنظيم أوجه الدعاية الانتخابية المختلفة سواء فى التليفزيون والصحف القومية أو فى القنوات والصحف الخاصة، فضلا عن الإعلان عن مصادر تمويلها. وحين تتم إتاحة كل تلك المعلومات، يصبح لزاما على المواطنين أن يتولوا باقى المهمة، عبر متابعة أداء صاحب المنصب السياسى ومدى علاقته بتمويل حملته. هل يقدم مثلا معاملة تفضيلية لمصالح أصحاب المال الذين أنفقوا على حملته الانتخابية؟
وكل تلك الأمور وربما غيرها من شأنها أن تمثل رادعا لأولئك الذين يريدون شراء السياسة بأموالهم كما كان يحدث فى العهد السابق. فدور المال فى العملية السياسية هو واحد من أخطر السبل للقضاء على الديمقراطية خصوصا وهى لا تزال فى مهدها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق