اخر الاخبار

20‏/04‏/2011

نزلاء «طرة» وأنصارهم /منار الشوربجي

قبل الثورة كنت أعرف يقيناً الدمار الذى لحق ببلادى فى كل القطاعات، من الصناعة والزراعة إلى التعليم والصحة، ومن السياسة الخارجية البائسة إلى تحويل مصر إلى دولة بوليسية من الطراز الأول
.
وكنت أعرف، كما يعرف غيرى، أن الفساد قد استشرى حتى وصل إلى مستويات غير مسبوقة، لكن ما لم يخطر ببالى وربما ببال آخرين غيرى هو ذلك الحجم المخيف من الأموال والأراضى المسروقة، فهذا ليس فسادا وإنما هو نهب منظم لثروات الوطن لا يمكن أن يقوم به من لديه قطرة من ضمير أو وطنية. ومن يقول لنا إن مصر دولة فقيرة عليه من الآن فصاعدا أن يصمت تماما ولا يُسمعنا صوته
.
فالوطن الذى يُنهب بهذه الطريقة الإجرامية ويظل واقفا على قدميه هو وطن ثرى للغاية ولكن تم نهبه وحرمان الأغلبية الساحقة من أبنائه من ثرواته
.
والجرائم لم تتوقف عند حد تجريف ثروات مصر وإنما صاحبتها جرائم سياسية لا تقل فُحشاً، من تأبيد السلطة والترويج لتوريث مصر وكأنها عزبة، مرورا بخنق المجتمع، وصولا إلى إذلال الشعب وإفساد روحه وتدمير مستقبله
.
لكل ذلك، أشعر بالامتنان لكل مصرى شارك قبل الثورة وأثناءها وبعدها فى رفض القهر والفساد والمهانة، حتى جاء اليوم الذى شهدنا فيه بأعيننا كل رموز النظام السابق فى «طرة» قيد التحقيق. وأشعر بالفخر أننى أنتمى لشعب بالغ التحضر طالب بالعدل والقصاص ولكن عن طريق المحاكم العادية وليس العسكرية، يمثل أمامها كل من أجرموا فى حقنا بمن فى ذلك الذين قتلوا أبناءنا ليس فقط أيام الثورة وإنما طوال حكم مبارك بأساليب مختلفة من التعذيب والفقر إلى الجوع والمرض
.
هذا الشعب العظيم الذى كانوا جميعا يحتقرونه كان أكرم منهم، فلم يشأ التشفى والانتقام حتى ممن فرضوا المحاكم العسكرية على خيرة أبنائه
.
والحقيقة أن التحقيق مع كل رموز النظام السابق، بمن فى ذلك الرئيس وعائلته، هو نقطة فاصلة فى تاريخ مصر سيكون لها تأثيرها الإيجابى على المستقبل وعلى الثقافة السياسية المصرية ذاتها، فخضوع الرئيس وزوجته وولديه للتحقيق يضع نهاية لمفهوم العزبة الذى حكم الثقافة السياسية المصرية لعقود طويلة. فقد انتهت الأيام السوداء التى كان فيها ناظر العزبة ينفق من أموالها بلا حساب على نفسه ويغدق على محاسيبه ويذل أبناء العزبة ويحتقرهم
.
فما جرى كان سابقة بالغة الأهمية ترسى مبدأ المساءلة وتجعل كل فاسد يتحسس رأسه، والتحقيق مع أكبر رأس فى النظام السابق يرسخ مبدأ سيادة القانون الذى لا ديمقراطية دون احترامه. وكل هذا يضعنا أمام عهد جديد لا يرضى فيه المصريون إلا برئيس يعرف قدر مصر ويحترم شعبها، ويعرف أنها ليست العزبة التى ورثها، وإنما أبناؤها هم الذين يدفعون راتبه، ومن ثم فهو أجير عندهم وليس العكس، وهو يظل فى موقعه بإرادتهم وحدهم
.
ووجود الرموز المهمة فى النظام السابق فى «طرة» يمثل رادعا قويا لكل ضعاف الضمائر يدعوهم للتفكير ملياً قبل الإقدام على التلاعب بالمصريين وثرواتهم، غير أننى أشعر بالقلق من وجود هؤلاء جميعا فى مكان واحد، فهم أثبتوا المرة بعد الأخرى أنهم على استعداد لتدمير مصر كلها للبقاء فى مناصبهم والحفاظ على أموالهم المنهوبة منا، لذلك ليس مستبعدا أن يفكروا بشكل جماعى فى التآمر على الثورة والجيش بل على مصر كلها، فلا شىء يخسرونه من تلك المحاولة الأخيرة. لذلك، فمن حقنا أن نطالب بعدم السماح لجمعهم السعيد تحت سقف واحد أن يهدد مستقبل مصر
.
ومن حقنا أيضا ألا تقتصر التحقيقات على النهب المنظم لثرواتنا والمجازر التى ارتكبت أثناء الثورة، وإنما لابد أن تمتد لتشمل التحقيق فى إفساد الحياة السياسية على مدار عقود كاملة، وحرمان أجيال كاملة من المصريين من المشاركة السياسية، بل حرمان مصر من إسهام خيرة أبنائها بمنعهم من دخول المؤسسات المختلفة بتقارير أمنية لم تكن تمانع أبدا مرور معدومى الكفاءة والموهبة إلى تلك المؤسسات نفسها
.
أما عن حل الحزب الوطنى فهو فى الحقيقة خبر لن يكون إيجابيا إلا إذا اقترن بقرار يحرم رموزه وكوادره من ممارسة العمل السياسى لمدة خمسة أعوام، كما فعلت تونس، ضمانا لعدم الالتفاف على الثورة من الباب الخلفى. ولا أفهم كيف يجرؤ منظرو النظام السابق على الزعم بكل صفاقة أن مثل هذا القرار «سيحرم مصر من كفاءات» مهمة. فأى كفاءات تلك التى لم تظهر كراماتها مطلقا فى إنجاز واحد لصالح هذا الوطن، وإنما كانت كل إنجازاتها تتعلق بمنافع شخصية؟
وأى قيمة يا ترى لكفاءة ثبت من تاريخها أنها كانت على استعداد لبيع كل قيمة مقابل منفعة شخصية فانضمت طوعا لنظام قمعى فاسد وصفقت له ودافعت عنه ونظّرت لجرائمه؟ وهل بإمكاننا أن نأمن من كانوا على استعداد للتحالف مع الشيطان ما دام يملك السلطة والجاه ثم قفزوا من السفينة حين أوشكت على الغرق، ليزعموا أنهم لم يكونوا فيها أصلا أو كانوا معارضين لربانها سرا طوال الوقت؟
!
من الواضح أن بعض بقايا النظام السابق لا يردعهم شىء ولا حتى سجن طرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق