اخر الاخبار

27‏/11‏/2012

إقصاء الآخر بقلم عماد الدين حسين

الكلام التالى سيغضب الجميع تقريبا، لكن لا بد من قوله.  
أحد الأسباب الرئيسية للأزمة المستحكمة الراهنة أن الطرفين الرئيسيين فيها لا يطيقان بعضهما البعض ولا يؤمنان بضرورة التعايش معا، ويعتقد كل فريق أن الآخر مؤقت وسيتلاشى من الحياة بأكملها إن آجلا أو عاجلا.

قبل يومين قال لى شخص قريب من دوائر صنع القرار إن لدى أغلب حكام مصر الجدد يقين راسخ بأن كل القوى السياسية غير الإسلامية عبارة عن هاموش لا قيمة لهم.

يقول هذا المصدر إنه كان يتكلم مع أحد مستشارى الرئيس وفوجئ به يتحدث عن المعارضين بصورة أشد سوءا من حديثه عن المستوطنين الصهاينة فى الضفة الغربية.

يضيف هذا المصدر أن لدى هذا المستشار ولدى غيره أيضا نظرة استعلائية على كل من لا ينتمون للتيار الإسلامى.


شخص آخر ــ ليس بعيدا عن أهل الحكم لكنه ليس محسوبا عليهم ــ يقول إنه فى المجالس الخاصة لكثير من الإسلاميين لم يعودوا يفرقون بين نظرتهم لأحمد شفيق وتوفيق عكاشة من جهة ونظرتهم لحمدين صباحى ومحمد البرادعى من جهة أخرى، ونسوا تماما ان الأخيرين كانا معهم فى نفس الخندق حتى شهور قليلة مضت، بل نسوا أن البرادعى كان له موقف فى غاية المبدئية حينما وقف معهم فى «عز» حملة مبارك ونظامه ضدهم.

 مصدر ثالث حكى لى أنه واثق من أن جزءا كبيرا من التيار الإسلامى تعامل مع القوى المدنية بمبدأ «التقية» الموجود فى الفكر الشيعى وبمقتضاه يتحدث الإخوان عن حلفائهم فى الأحزاب المدنية بصورة طيبة طالما انهم فى حاجة إليهم، وعندما يحققون غرضهم ينقلبون عليهم وينعتونهم بأبشع الصفات.

هذا المصدر يقول إنه للموضوعية فإن الصورة أفضل حالا وأقل سوءا داخل مؤسسة الرئاسة عنها فى الأحزاب الإسلامية، ففى هذه المؤسسة بعض المتنورين والمؤمنين حقا بالتعايش، لكن هذا التسامح يقل الآن كثيرا داخل جماعة الإخوان، مع اشتعال الأزمة الأخيرة.

شخصيا لدى ثقة فى وجود شخصيات عاقلة كثيرة داخل هذا الحزب لكن للأسف الشديد فإن صوتها شديد الخفوت هذه الأيام.

فى المقابل فإن نظرة بعض الليبراليين إلى الإسلاميين لا تقل إقصائية.

كثير من الليبراليين حينما يتحدثون عن الإسلاميين ينظرون إليهم باعتبارهم كائنات غريبة هبطت من كواكب أخرى لم يتم اكتشافها بعد.

وعندما تناقش هؤلاء فى أن الإسلاميين موجودون بيننا ويحصلون أحيانا على ثقة وأصوات الناخبين من أول النقابات إلى الرئاسة مرورا بالبرلمان، يردون بشىء غريب وهو أن الشعب غير ناضج سياسيا. وعندما تقول لهم إن دوركم هو إنضاج الشعب وجعله يصوت لكم وليس لهم، يتحججون بحجج كثيرة.

وحتى لا أبدو مثاليا، أدرك أننا فى مرحلة انتقالية، وأننا خرجنا من سنوات قهر وظلم وتخلف رهيبة، وانه يصعب أن نتحول إلى كائنات ديمقراطية شفافة بين غمضة عين وانتباهتها.

لكن ما يحز فى النفس أننا لا نريد أن نبدأ السير فى الطريق الصحيح وهى أن نؤمن بأن هذا البلد للجميع، للإسلاميين والليبراليين، لليسار واليمين، للمؤمنين والكافرين، وكل من يعيش على ارضه.

من الطبيعى أن يعتقد كل طرف أنه على صواب، لكن الكارثة، أن تلغى وجود الآخر من الحياة نفسها.

لا ندرك جميعا أن الحروب والكوارث الكبرى، لا تبدأ فى اشتباكات الشوارع والميادين، هى تبدأ فى العقول أولا وتبنى الأفكار الإقصائية ثانيا. والحرب الأهلية يمكن أن تكون فى حديثنا عن الآخر، ويمكن أن تكون فى برنامج فضائى أو قصة صحفية، وبعدها لا نحتاج إلا لشرارة بسيطة فى أى مظاهرة.

هذا وقت تحرك العقلاء قبل ان يجرفنا الطوفان جميعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق