اخر الاخبار

06‏/11‏/2012

ملاحظات على المسودة الأولى للدستور بقلم د.حسن نافعة

المقومات المعنوية للدولة والمجتمع:

تضمنت مسودة الدستور فى باب «الدولة والمجتمع» ٢٧ مادة، بعضها يتعلق بالمقومات المعنوية: كالهوية والدين والثقافة والأخلاق والتقاليد وغيرها، وبعضها الآخر يتعلق بالمقومات المادية: كالاقتصاد والزراعة والثروات الطبيعية وغيرها.

وقد أكدت المسودة، عند تناولها قضايا الهوية والدين والثقافة، إسلامية الدولة المصرية ديناً، وعروبتها لغةً وثقافةً، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع «مادة ٢»، لكنها حرصت فى الوقت نفسه على التأكيد على سيادة الشعب باعتباره مصدرا للسلطات «مادة ٥»، وعلى المساواة الكاملة فى الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين وتحريم التمييز بكل صوره وأشكاله «مادة ٦»، والاعتراف بحق المسيحيين واليهود فى تنظيم أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الدينية وفق مبادئ شريعتهم «مادة ٣». ورغم وجود توافق عام بين مختلف التيارات على كل هذه الأمور، فإن المسودة تضمنت نصوصا أخرى لاتزال خلافية، كالنص على «أحكام الشريعية» بدلا من «مبادئ الشريعة» فى بعض المواضع، وعلى «مرجعية الأزهر الشريف» عند الخلاف على ماهية أحكام الشريعة واجبة التطبيق، بل على حق المجتمع فى التدخل «لفرض التقاليد والقيم الخلقية».

ويحاول البعض إبراز الخلاف القائم حول هذه القضايا وكأنه خلاف بين فريقين، أحدهما يريد تطبيق الشريعة الإسلامية والآخر يرفضها، وهى مزايدة غير مقبولة، لأنه لا يوجد فى مصر - فى تقديرى - من يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية. كل ما فى الأمر أن البعض يرفض اختزالها فى «أحكام وحدود»، ويرى أن الشريعة الإسلامية هى سنة الله فى خلقه، ومن ثم تشكل حقيقة دائمة لا تتبدل بتبدل الزمان والمكان، وبالتالى يتعين إزالة أى تناقض بينها وبين «المصلحة العامة» كما يراها المسلمون الذين هم أدرى بشؤون دنياهم، أما «الأحكام والحدود» فمن الطبيعى أن تتطور وتتغير بتغير الأزمنة والأمكنة. ولأن بعض من يتحدثون عن تطبيق «الشريعة الإسلامية» لم يستوعب بالقدر الكافى حقيقة غاياتها ومقاصدها الكلية، بل ويخلط أحيانا بينها وبين تقاليد اجتماعية لا تمت للشريعة الإسلامية بصلة، فقد دخلنا فى دوامة مزايدات سياسية تستنزف الجميع، وليس لها معنى على الإطلاق.

لا خوف إطلاقا من تطبيق الشريعة الإسلامية ولا خوف على الإسلام فى مصر. لذا فإن الإبقاء على نص المادة الثانية كما هو دون تعديل، يكفى وزيادة ولا حاجة للإشارة فى الدستور إلى كلمة «أحكام»، باستثناء ما يتعلق منها بالميراث والأحوال الشخصية. لذا يمكن القول إن بعض المواد التى تضمنتها المسودة فى باب «الدولة والمجتمع» لاتزال فى حاجة إلى مراجعة وتدقيق. ولأن المقام لا يتسع هنا لذكر كل ما تضمنه هذا الجزء من المسودة من مواد تحتاج إلى إعادة نظر، نكتفى ببعض أمثلة.

المثال الأول: نص المادة الرابعة، التى تتحدث عن الأزهر كهيئة إسلامية مستقلة. فمكانها الطبيعى يجب أن يكون الباب الرابع، الخاص بالأجهزة الرقابية والمؤسسات المستقلة، وليس الباب الأول، فضلا عن أن الفقرة الختامية فيها تحتاج إلى تعديل. تقول الفقرة: «يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء فى الأزهر فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الاسلامية»، والنص البديل المقترح: «يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء فى الأزهر فى الشؤون المتعلقة بالدين الإسلامى».

المثال الثانى: نص المادة ٩ «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها وحماية تقاليدها وقيمها الخلقية». والنص البديل المقترح: «الأسرة أساسها المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتلتزم الدولة برعاية الأخلاق والآداب العامة وحمايتها»، نظرا لمخاوف البعض من أن يؤدى النص الحالى إلى فتح الباب أمام نشأة جماعات معينة على غرار «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، تعطى لنفسها حق التصرف خارج نطاق القانون.

المثال الثالث: نص المادة ١١ «تحمى الدولة الوحدة الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع المصرى، وتعمل على تعريب العلوم والمعارف». ويقترح استبداله بالنص التالى: «تحمى الدولة التنوع الثقافى والحضارى للمجتمع المصرى وتنهض بالعلوم والثقافة بما يحقق التقدم العلمى ويدعم التماسك الاجتماعى والانتماء الوطنى». فالحديث عن الوحدة يجب أن يأتى فى سياق حماية التنوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق