اخر الاخبار

21‏/07‏/2012

ترى ماذا سيكون موقف الدستورية لو تم الاستفتاء على حلها؟ بقلم محمود الخضيرى



لم يكن أمام الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا الحديثة ورئيس حزب العدالة والتنمية التركى عقبة فى النهوض بتركيا والتقدم بها والخروج من أزمتها الاقتصادية سوى عقبتين هما الجيش والقضاء اللذين كانا يعتبران نفسيهما الحارسين على علمانية أتاتورك بكل ما فيها من عيوب حيث كانا يقفان أمام كل إصلاح يحاول القيام به بحجة مخالفته لعلمانية أتاتورك ومساسه بمبادئه التى كانت تعلو عندهما على كل المبادئ حتى مبادئ الشريعة الإسلامية رغم أن تركيا بلد إسلامى وكانت فى وقت ما زعيمة لهذا العالم، كانت المحاكم التركية تهدد رجب طيب أردوغان بالحبس وحزبه بالحل لمجرد أنه حاول الاستجابة لرغبات شعبه فى إباحة ارتداء الحجاب فى المصالح الحكومية باعتبار أن ذلك حرية شخصية، والغريب فى الأمر أن البلاد الغربية وقفت معه فى هذا الأمر ولم يعارضه إلا القضاء والجيش.


هددت تدخلات الجيش والقضاء هذا الرجل وحزبه مرات عديدة وفى آخر مرة اضطر الرجل لوقف عملية التنمية لمدة ستة أشهر كان مهددا فيها بالحبس وحزبه بالحل، وبعد أن انتهت هذه الأزمة على خير لم يجد سوى أن يلجأ للشعب يستفتيه فى استمرار سياسته فكان أن لجأ لانتخابات مبكرة عن موعدها لمدة عام عاد بعدها أقوى مما كان وأخذ ينفذ سياسته الاقتصادية التى جعلت من تركيا تحتل الترتيب السادس عشر على دول العالم وهى تسعى لأكثر من ذلك وساعده ذلك على الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية وعلى تطهير القضاء من أعوان النظام الأتاتوركى حتى تستقر تركيا ويكون لديها قضاء نزيه محترم.

تذكرت كل ذلك وأنا أشاهد موقف المحكمة الدستورية العليا من مجلس الشعب وحكمها الذى أصدرته بحله ومتابعتها لهذا الحكم حتى يتم تنفيذه كما ترى هى لا كما يجب أن يكون.. وتابعت أكثر من ذلك ما قامت به من تصدٍ للإشكال فى تنفيذ حكمها والقضاء بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب للانعقاد مع تحديد موعد للانتخابات رغم خروج ذلك على اختصاصها، الأمر الذى جعلها تبدو ليس كمحكمة تنظر دعوى لا صلة لها بخصومها ولكن كخصم يريد الانتقام من خصمه بأى وسيلة كانت.. وعندما نبتت فكرة إمكان الاستفتاء على تنفيذ حكمها خرجت مسرعة بالقول بعدم جواز ذلك، والحقيقة التى لا مراء فيها هى أن المحكمة الدستورية العليا فاقت فى غرورها المحكمة التركية وتصورت أنه ليس فى إمكان أحد أن يعقّب على حكمها أو أن يلغيه ولو كان الشعب نفسه مصدر كل السلطات، وقلت لنفسى: ماذا سيكون يا ترى موقف المحكمة الدستورية العليا لو أن السلطات المسئولة أمرت باستفتاء على بقاء المحكمة أو إلغائها؟ أقرب التصور إلى ذهنى بعد مشاهدة مواقف المحكمة السابقة أن المحكمة ستعقد جمعيتها العمومية لرفض هذا الاستفتاء والاعتصام بالمحكمة والقول إنها كمحكمة عليا فوق الحل والربط وفوق القانون وفوق الدستور وفوق الشعب نفسه ولا يملك أحد كائنا من كان أن يمس شعرة من جسمها المقدس وأن أى محاولة من هذا القبيل ستقابل بكل حزم وقوة وأنها ستظل تمارس عملها حتى بعد حلها ولن تستسلم، الذى دعانى إلى تصور ذلك أن المحكمة لم تستجب لطلب ردها كما تستجيب باقى المحاكم وكما يقضى القانون حيث يقضى بأن الرد معناه غل يد القاضى عن القضاء فى الدعوى المنظورة أمامه التى برده الخصوم فيها يرده عن نظرها وتظل الدعوى موقوفة إلى حين الفصل فى طلب الرد ما لم يقم رئيس المحكمة بانتداب قاضٍ آخر لنظرها.

وتصورت أن قاضيا من قضاتها سيذهب إلى النائب العام لتقديم شكوى ضد رئيس الجمهورية طالبا حبسه لأنه تجرأ وطلب عمل هذا الاستفتاء على حلها وشكوى أخرى على كل من وافق على قرار الحل ولو كانوا عشرين مليونا مثلا لأن هذا إهدار ومساس بقدسية المحكمة.

كم كنت أتمنى أن تقتدى محكمتنا العليا بالمحكمة العليا الأمريكية حيث تعتبر قدس الأقداس هناك يذهب الناس إليها كما يذهبون إلى أى مكان مقدس مصطحبين معهم أبناءهم يقولون لهم إن هذا المكان هو المكان الذى تصان فيه الحقوق والحريات. والحقيقة أن من يشاهد مبنى المحكمة الدستورية العليا من الخارج يشعر أنها مكان عظيم جدير بكل الاحترام والتقدير إلا أن الحقيقة المؤسفة لهذه المحكمة أن عوامل الهدم ومحاولات التخريب فيها نالت فيها كثيرا فى الفترة الماضية وجعلت منها أداة فى يد من يحكم وهى أداة قوية لأنها تتدسر تحت عبارة قد سب أحكام القضاء التى يجب الانحناء لها والخضوع لحكمها وعدم التجرؤ حتى على مناقشتها لأن ذلك معناه الفوضى وعدم الخضوع لأحكام القانون وتلك أكبر وأبشع تهمة ممكن أن تلحق بأى إنسان فضلا عن رجل سياسة أقسم على احترام القانون والدستور، قضاة المحكمة يمتازون فى ظروف عملهم ومرتباتهم ومميزاتهم الأخرى المادية عن بقية رجال القضاء الأمر الذى جعل كل رجال القضاء يطالبون بالمساواة بهم وهذا يجعلهم أكثر قابلية للتأثير عليهم خوفا من ضياع هذه المميزات ولذلك يجب على الأقل مساواتهم بجميع رجال القضاء منعا لهذا التأثير عليهم حيث يشعر من يترك المحكمة لموقف مع الحق يتخذه أنه لن يضار فى رزقه ورزق أولاده ويضمن بذلك زوال التأثير عليهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق