اخر الاخبار

16‏/04‏/2013

احتفالية المومياء المتوحشة بقلم وائل قنديل


والعنوان أعلاه مأخوذ من ديوان الشاعر الراحل الكبير محمد عفيفى مطر الذى سجل وقائع تعذيبه وهو على مشارف السبعين من عمره فى معتقلات مبارك، تلك التجربة التى خرج منها بكسر فى عظمة الأنف وتدهور فى القدرة على الإبصار، فيما كان مثقفو الحظيرة يتقافزون بخفة البراغيث حول «الست» ويتراقصون على إيقاع مشاريعها الثقافية العظيمة.
تذكرت الشاعر والديوان والتجربة ولحظات احتضاره على يدى وأنا أتابع احتفاليات مومياوات نظام المخلوع بعودته للأضواء، ومفرداتهم الرقيعة فى تمنى إطلاق سراحه وإخلاء سبيله وكأن شيئا لم يكن، لا ثورة قامت ولا شهداء سقطوا ولا ملايين قتلوا بمسرطناته وفيروساته وسلخانات تعذيبه، فلماذا إذن لا تضحك المومياء فى قفصها باتساع شدقيها؟


لماذا لا تنفرج أسارير المومياء فى توحش وتنشب ابتساماتها فى صدر أهالى الشهداء وهى تجد رموز معسكر الثورة تغازل بقايا دولة الفساد والقهر وتغدق عليهم بالألقاب وشهادات الصلاحية الثورية وتفتح لهم الميادين والشاشات ليدوسوا على الدماء ويبصقوا كلاما وضيعا فى وجه أرواح أزهقت من أجل «مصر حرة»؟

لقد كانت بداية السقوط فى نوفمبر الماضى وبحت الأصوات وقتها تحذر من أن «القوى الشريكة فى صناعة الثورة تتصارع وتتطاحن الآن لمصلحة القوى المعادية للثورة، وهنا لا مفر من أن نظل نذكر بأن شهداء رائعين سقطوا فى الميادين من أجل تحرير مصر من هذه الوجوه الكئيبة التى تعود إلى صدارة المشهد الآن وتعرض خدماتها ومساعداتها مثل تجار المعارك العبثية».

وبالطبع لم يتوقف أحد عن هذا الانزلاق الثورى فى وحل استدعاء الثورة المضادة بحجة مواجهة التغول الإخوانى، بل إن قائمة الشهداء الفالصو اتسعت واستطالت وأزيح الستار لنتابع مشاهد مغرقة فى عبثيتها يؤدى فيها أعداء الثورة الواضحون أدوار البطولة المطلقة فى النضال المزيف.

وبعد أكثر من أربعة أشهر على تلك اللحظة البائسة وصلنا إلى مرحلة التطبيع الكامل بين الفلول والثوار تعبر عنها كلمات رمز ثورى كبير فى حوار تليفزيونى قال فيه إن من كانوا ضد الثورة انضموا إلى صفوف القوى الثورية لمجرد أنهم ضد الإخوان، وكأن كراهية الإخوان كفارة لما قبلها من تلوث بدماء الشهداء وفساد.. ولو سلمنا بمنطق أن «من أعلن عداءه وكراهيته للإخوان فهو ثورى وآمن» فالأحرى أن نذهب جميعا إلى مبارك معتذرين ونقبل يديه لكى يحمل الراية الثورية ويقود النضال ونهتف خلفه «الشعب يريد إسقاط النظام».

وإذا كان هذا هو منطق الثوار ومنطوقهم فلا ينبغى أن نؤاخذ أرامل المومياء المتوحشة على احتفالياتهم الصاخبة فى الاستوديوهات وأعمدة الصحف بأنباء وتسريبات إطلاق سراح المخلوع، بل ويصل أحد الكتاب التليفزيونيين السمان إلى أبعد من ذلك مرددا عبارات عاطفية كاذبة عن الرجل الذى منع عن مصر كوارث كبرى فى مجال الأمن القومى، ويعدد أفضاله الاقتصادية والأمنية، وبمنتهى الخفة ينطقها بمنتهى الثقة «لذلك كله حان الوقت للإفراج عن هذا الرجل وتركه يقضى الأيام الباقية له فى سلام»

ولم لا وقد هانت الثورة على أصحابها حتى صار لدينا من لا يمانع فى أن يشترى بها وبدماء شهدائها لحظة للتشفى والكراهية!. سيادة الرئيس: من لا يحمى ثورة كان شريكا فيها لن يستطيع أن يحمى نفسه من السقوط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق