اخر الاخبار

11‏/04‏/2013

التعديلات الدستورية على الطريقة القنديلية بقلم حسن نافعه

 
تناقلت وكالات الأنباء تصريحات للدكتور هشام قنديل، رئيس مجلس الوزراء المصرى، أدلى بها أثناء حديث له مع ممثلى الجالية المصرية فى كينيا، كشف فيها عن قيام حكومته بتشكيل لجنة من فقهاء الدستور ممن ليست لهم أى انتماءات سياسية، ستتولى إعادة النظر فى عدد من النصوص الدستورية التى ظهرت الحاجة إلى تعديلها بغية التوصل إلى توافق عام على الدستور. كما أشار فى هذه التصريحات أيضاً إلى أن عدد المواد المطلوب تعديلها «يتراوح بين 10 و15 مادة»، وأن التعديلات التى ستقترحها اللجنة ستُرفع أولاً إلى رئيس الجمهورية قبل أن يحيلها إلى مجلس النواب المقبل، لأنه صاحب الاختصاص الأصيل، لكنه لا يستطيع أن يضمن موافقة مجلس النواب على هذه التعديلات لأن تشكيل هذا المجلس «مازال فى علم الغيب»، وليس بوسع أحد أن يعرف ما هى القوى التى ستفوز فى الانتخابات وتُمثّل فيه.
لهذه التصريحات معانٍ كثيرة، أهمها: 1- أن حكومة هشام قنديل تعترف بأن الدستور الذى تمت صياغته وطرحه للاستفتاء فى عهدها هو دستور معيب، وبالتالى يجب إعادة النظر فيه وتعديله. 2- ليس لدى حكومته حتى الآن تحديد دقيق لعدد المواد المطلوب تعديلها، والتى تتراوح حسب تقديره الحالى بين 10و15 مادة. 3- ستتولى الحكومة بنفسها اختيار أعضاء اللجنة التى ستعهد إليها بهذه المهمة الحساسة، وقد قررت أن يكونوا جميعا من بين «الفقهاء الدستوريين ممن ليست لديهم أى انتماءات سياسية».

إن دلت هذه التصريحات على شىء فإنما تدل على أننا إزاء حكومة مشوشة الذهن، وغير مدركة لطبيعة وعمق الأزمة السياسية التى تمر بها مصر، لذا لا يمكن أن يكون لديها ما تقدمه لإخراج البلاد من تلك الأزمة التى تساهم دائماً فى تعميقها بسلوكها غير المدروس. فكلنا يتذكر كيف تم إعداد وإقرار دستور مُختلَف عليه انكشفت عوراته بسرعة مذهلة، وكيف أصرّ النظام الحاكم على طرحه لاستفتاء عام قبل أن ينضج وتصل القوى السياسية الرئيسية إلى توافق حوله. وها هو نفس النظام يعود اليوم فيعترف بأنه ارتكب خطأ، ويبدى استعداده لتصحيحه، وهذا أمر يُحسب له، لكن المشكلة أنه يستخدم فى تصحيح الخطأ النهج نفسه الذى أدى إلى وقوعه فى البداية، وبالتالى نكون بصدد محاولة لمعالجة الخطأ بخطأ أكبر منه يؤدى إلى مفاقمة المشكلة وزيادتها تعقيداً.
كان المنطق السليم يفرض على النظام الحاكم معالجة موضوع التعديلات الدستورية عبر آلية يتم التوافق عليها مع المعارضة، وتأتى كثمرة لحوار جاد بين الطرفين يسوده حسن النية. لكن الحكومة قررت، مرة أخرى، أن تتولى معالجة هذا الموضوع الحساس منفردة. فهى التى قدرت أن المواد المختلف عليها، والتى ستخضع للمراجعة والتعديل تتراوح بين 10و15 مادة، وهى التى قررت تعيين أعضاء اللجنة المكلفة بإجراء التعديلات، ووضعت معايير اختيارهم. لكن الأخطر من ذلك أن الحكومة تعترف بأن الطريق الذى اختارته لإجراء تعديلات تريدها توافقية قد لا يفضى إلى شىء، وهو ما قد يعيدنا إلى نقطة الصفر من جديد، لماذا؟ لأن التعديلات التى ستقرّها اللجنة لن تكون نهائية إلا بعد إقرارها من مجلس نواب مازال تشكيله «فى علم الغيب»، حسب التعبير الذى استخدمه رئيس الحكومة. وهنا يتجلى العبث فى أزهى صوره، حيث يبدو رئيس الحكومة مُصراً على استخدام آلية يدرك مسبقاً أنها لن تفضى إلى شىء، على الرغم من أن بوسعه أن يعثر على آلية أخرى يتم تشكيلها بالتوافق وتلتزم الأحزاب مسبقاً بما ستسفر عنه من تعديلات.
طريقة الحكومة فى معالجة موضوع التعديلات الدستورية تؤكد مرة أخرى أن النظام الحاكم ليس جاداً، ومازال يصر على الإدارة المنفردة للبلاد فى مرحلة تأسيسية لنظام جديد لا يمكن أن يُبنى إلا بالتوافق، لذا فإنه يلجأ دائماً إلى أسلوب المناورات السياسية، وليس المواجهة المبنية على الشفافية. كل ما فى الأمر أن الحكومة تريد التخفف من ضغوط داخلية وخارجية للتوصل إلى توافق مجتمعى عام حول عدد من القضايا الأساسية، منها تعديل الدستور، أملاً فى تحقيق درجة من الاستقرار السياسى يسمح باستئناف النشاط الاقتصادى وعودة الاستثمارات. ولأن الحكومة تدرك أن صندوق النقد الدولى لن يقدم على منحها القرض الذى تلهث وراءه إلا إذا ظهرت مؤشرات واضحة على استعدادها للوصول إلى توافق وطنى عام، لا تبدو مستعدة لتقديم التنازلات اللازمة لتحقيقه، فقد لجأت إلى هذه الحيلة: تشكيل لجنة على مقاسها هى لتعديل الدستور.
لا يخالجنى شك فى أننا إزاء حيلة «خايبة» جديدة من الحيل التى اعتدنا عليها من حكومة تفتقد الخيال والكفاءة، بل والجدية أيضا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق