اخر الاخبار

01‏/06‏/2013

النهر يعلن التمرد بقلم وائل قنديل

هل كان المصريون أوفياء لنهر النيل حتى يكون وفيا لهم؟ هل قدمنا للنهر ما يجعلنا جديرين به؟

إن شعبا لم يهن نهره ويحتقره كما فعل المصريون بالنيل العظيم.. انظر إلى التلوث والقبح والدمامة المعمارية على شاطئى النهر، وقارن بين هذه الصورة البائسة وما يناظرها فى دول ودويلات أخرى لا تتمتع بعشر معشار مياه النيل ستجد أننا بارعون للغاية فى الهدر والتلويث وقتل الجمال لأننا لا نحترمه ومن ثم لا نعرف كيف نصونه ونحميه.

لقد نجحنا فى تحويله من شريان حياة إلى مقبرة لقاذوراتنا وجيفنا، ومدفنا لمخلفاتنا الأخلاقية والحضارية.. هل شاهدت فى أى مكان فى العالم من يلقى بالقمامة والحيوانات الميتة فى النهر الذى يشرب منه؟

هل سمعت أن شعبا من الشعوب المشتركة فى نهر الدانوب ــ مثلا ــ يلقى نفاياته فيه ويخنقه بالروائح العطنة والبنايات القبيحة التى تحجبه عن الناس؟

إن النيل لو نطق لصرخ فينا أنه لا يصدق هذه المناحة المنصوبة بمناسبة قيام إثيوبيا بتحويل مجراه وإقامة سدود تمنع تدفقه بكامل عافيته إلينا.. سيقول لنا إن من لا يحمى النهر من أخطار الداخل لن يكون بمقدوره حمايته من مخططات الخارج الخطرة،  لأننا بأيدينا ارتكبنا جرائم فى حقه أكبر بكثير من توجهات إثيوبيا.


 وهل هناك جريمة أفدح وأحقر من أن يصبح ما نعتبره شريانا لحياتنا فى نفس الوقت مستودعا للصرف الصحى؟

فى بحث منشور للدكتور مدحت خفاجى يقول إنه وللأسف منذ عام 1965 تقوم حكومات مصر بإلقاء مياه المجارى (الصرف الصحى) فى نهر النيل، وذلك لرخص تلك الوسيلة للتخلص من مياه المجارى لأن مستوى مياه النيل منخفض عن سطح الأرض فى الدلتا والصعيد.

ويوجد ما يزيد عن 360 مصبا لمياه المجارى فى النيل من أسوان حتى الجيزة لعدم وجود مصارف فى الصعيد أما عن صرف المجارى فى الدلتا فيتم عن طريق المصارف الزراعية، والتى تلوث بحيرات شمال الدلتا.

ويضيف فى البحث نفسه «وإلقاء مياه المجارى فى الصعيد فى نهر النيل وفروعه، بالإضافة إلى تغيير طعم مياه النيل العذبة، يسبب للمصريين الإصابة بالنزلات المعوية المتكررة وبالذات للأطفال، والدوسنتاريا الأميبية الحادة والمزمنة، وذلك بالإضافة إلا الإصابة بفيروس A الكبدى.

إننا نكاد نكون الشعب الوحيد فى العالم الذى يهدر عشرة أكواب من الماء على الأقل لكى يملأ كوبا واحدا، وانظر أيضا إلى كميات المياه التى تهدر على الأرض كل صباح مع حفلات الازدراء الجماعية للنيل والمتمثلة فى غسيل السيارات بالشوارع.

باختصار نحن نهدر أضعاف ما نستهلكه عمليا من مياه نهر النيل لأسباب تتعلق بالجهل وثقافة الهدر والقبح، وأظنها فرصة حقيقية لكى يغتسل المصريون من جرائمهم وآثامهم فى حق النهر، ويعتذروا للنهر الذى تلوث فتمرد!

وبالقدر ذاته الذى نوجه به غضبنا إلى إثيوبيا من المهم أن نغضب داخليا ونعلن اعتذارنا بشكل عملى للنهر ونرد له اعتباره، وهذا لن يتأتى إلا من إجراءات وتشريعات حمائية صارمة ضد كل من يرتكب جريمة ضد النيل، هدرا أو تلويثا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق