اخر الاخبار

01‏/06‏/2013

بين السرايات قبل أثيوبيا! بقلم بﻻل فضل

ماالذى يمكن أن تفعله معنا سخرية الأقدار أكثر من اختيارها للأيام التى نستقبل فيها ذكرى هزيمة الخامس من يونيو 1967 لكى تدخلنا فى تجربة كتجربة السد الأثيوبى الذى نشف ريق المصريين قبل الأوان بأوان.

نحن لم نقرأ درس هزيمة يونيو جيدا منذ وقع ولم نتعلم من أخطاءه، ولذلك ليس عجيبا أن تنبعث الآن دعوات الهجايص لمواجهة السد الإثيوبى بأفكار من نوعية «إغضب ياريس» و«أعلنوا الجهاد على إثيوبيا»، و«عبدالناصر لو عايش كان وقف أثيوبيا عند حدها» و«الله يرحمه السادات فاكرين لما ضرب أهل الحبشة على قفاهم» و«فين أيام مبارك لما هدد إنه يضربهم بالطيارات»، وما إلى ذلك من دعوات يختلف رافعوها تمام الاختلاف عن بعضهم ومع بعضهم لدرجة أنك لا يمكن أن تجمعهم فى غرفة واحدة دون أن يضربوا بعضهم بالنعال.


ومع ذلك فجميعهم يشتركون فى الاعتقاد الشعبى الأكثر شيوعا لدينا بأن مصر أم الدنيا المحروسة التى ستظل تحظى دائما بمعاملة خاصة «لأن فيها شيئ لله ولذلك تفوت عليكى المحن يمر بيكى الزمان وإنتى أعلى مكان»، وهو اعتقاد لا يصلح للتطبيق خارج نطاق إذاعة الأغانى، ولن نتقدم خطوة إلى الأمام إلا بعد أن نتخلص منه تماما، فندرك أن ما يسرى على غيرنا من الشعوب من قوانين الكون سيسرى علينا بالضرورة، لأننا لسنا شعب الله المختار، والكون ليس ملكا لنا لمجرد أننا كنا أول حضارة نشأت على أرضه.

تعال نتكلم بصراحة بعيدا عن الطنطنات والعنتريات، وقل لى كم شخصا تعرفه يطلق تعبيرات عنصرية مهينة على الأفارقة من نوعية... ولا بلاش فأنت تعرف هذه التعبيرات جيدا وتعرف أنك بنفسك تستخدمها من حين لآخر ولو على سبيل الدعابة التى تظنها بريئة، لكى لا أبرئ نفسى من ذلك العيب دعنى أخبرك أننى كتبت سلسلة مقالات فى صحيفة المصرى اليوم عام 2009 أعتذر فيها عن سخريتى فيما سبق من ذوى البشرة السوداء، يومها حاولت على قدى أن أفتح ملف التعامل العنصرى الذى نمارسه مع إخواننا الأفارقة كأن الدماء الزرقاء تجرى فى عروقنا، ولم أكن أعلم وقتها أن عدالة السماء التى لا تنزل فقط فى ستاد باليرمو ستعطينا الآن درسا بليغا، هو أن من تموت ضحكا عليه وسخرية منه واستهانة به يمكن أن يكون سببا فى موتك عطشا، فهل نعتبر أم لا؟، وهل تكون هذه الأزمة بداية لمراجعة شاملة ليس فقط لأبسط سلوكياتنا مع شركائنا فى القارة الأفريقية، وإنما لتعاملنا مع الكون بشكل عام؟.

«الحكاية مش حكاية سد»، بل حكاية كل شخص منا يعتقد أن دور البطولة فى الدراما الكونية محجوز لنا بالضرورة لكى نستمر فى لعب دور بطل القارة المرح الذى لا يكف عن إطلاق الغازات الفكرية والتغنى بشعارات أستاذية العالم على الطريقة الناصرية أو الإسلامية أو الفرعونية، مفترضا أن على جيراننا الأفارقة أن يستمروا فى لعب دور الكومبارس أو السنيد فى أحسن الأحوال، فإذا رفضوا وقرروا أن يصنعوا لأنفسهم قدرا مختلفا لا يعبأون فيه باحتياجاتنا، كان أول ما نفكر فيه أن نضربهم بالطائرات، ثم عندما نكتشف أن ذلك غير متاح بالسهولة التى كنا نظنها، نبدأ فى تمزيق ثياب بعضنا البعض وأصواتنا تعلو بالشكوى من المؤامرة الإسرائيلية الصينية القطرية الإيرانية الأمريكية التى تستهدف تركيعنا وتعطيشنا وتجويعنا، دون أن يسأل أحدنا نفسه عما فعله لإيقاف هذه المؤامرة منذ وعى على الدنيا.

ولماذا كنا دائما مشغولين بالفوز بكأس أفريقيا أكثر من انشغالنا بأن يكون لنا مصالح حقيقية فى أفريقيا التى نمتلك منذ عشرات السنين معهدا متخصصا فى دراساتها فى قلب جامعة القاهرة أتحدى أن يكون مسئول واحد طيلة الثلاثين عاما الماضية قد قام بتطبيق توصيات رسائل الماجستير والدكتوراة التى يقدمها المعهد كل عام، فلو فعلوا ذلك لما كان حالنا كما لا يخفى عليك، ولما أصبحت الأصوات التى نسمعها لحل الأزمة الأثيوبية متنوعة بين شرسين يطالبون بسحق أثيوبيا لتلزم حدودها وتعرف هىّ بتكلم مين، و«طيّوبين حبّوبين» يوصون بمنح مساعدات لأثيوبيا ولعموم الأفارقة لكى نستعيد ريادتنا فى أعينهم فيقولوا لنا «آسفين يا مصريين إننا فكرنا نتطاول عليكم مع إنكم أسيادنا، وخير زعماءكم من محمد على إلى عبدالناصر مغرقنا».

للأسف أغلبنا لا يدرك إلى أى حد تغيرت أفريقيا عن الصورة التى سكنت وجداننا بفضل فيلم (عماشة فى الأدغال) وما شابهه، وهو تغيير يمكن أن تعرف بعض ملامحه بقراءة كتاب (نهوض أفريقيا) الصادر عن الدار العربية للعلوم، الذى كنت قد اخترت قبل أربعة أعوام أن يكون الكتاب الأول الذى أعرضه فى برنامج (عصير الكتب) طيب الله ثراه، طلبت من الروائى والدبلوماسى عز الدين شكرى أن يقرأه ويشاركنى فى عرضه، وكان أبرز ما حاولنا إيصاله لكل من يهمه الأمر أن أفريقيا لم تعد ذلك المكان الذى نحسن إليه أو نتعالى عليه، بل إنها أصبحت سبيلا إلى خلاصنا الاقتصادى لا يصح أن نتأخر عن الاهتمام به لحظة واحدة، بالطبع لم يفرق ما قلناه ببصلة مع أحد، لأن الدولة التى لا تهتم بدراسات يصدرها معهد تنفق عليه من ميزانيتها، لن تهتم قطعا ببرنامج يتحدث فيه إثنان من المغرضين الحاقدين.

ستسألنى: ما هو الحل ياسيدى، هل لديك كلمة حلوة تقولها بعيدا عن التقطيم فينا وتقليب المواجع علينا، سأجيبك ببساطة: حل أزمتنا مع أثيوبيا موجود على حدود (بين السرايات) حيث يقع حرم جامعة القاهرة الذى يضم بداخله معهد الدراسات الإفريقية الذى أنشأناه ونسيناه، تماما كما نسينا أفريقيا ظنا منا أنها لن تجرؤ أبدا على تهديد مصالح أسيادها حاملى أكبر عدد من ألقاب كأس الأمم الأفريقية، وأنهم لو فعلوا كما فعل الإثيوبيون فآخرهم معانا شوية طيارات أو شوية معونات.

أى تحرك لحل أى أزمة لا يقوم على أساس من المعرفة والبحث العلمى والتفكير العقلانى سيودى بنا إلى مزيد من الهزائم التى ندلعها ونسميها نكسات، ومن ليس له خير فى بين السرايات لا يصح أن يرتجى الخير من أثيوبيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق