اخر الاخبار

16‏/08‏/2013

الأزمة وأسبابها بقلم جمال قطب

1ــ افتقاد المنهجأزمتنا منذ قرنين تتجلى كثيرا فى الصراع بين المتسلطين من ناحية والرافضين من ناحية أخرى. وذلك بسبب افتقاد مقومات الإنسانية الثلاث (الفطرة/العقل/الوحى)، فهذه المقومات هى أصول المنهج الصحيح، ونناقش أسباب هذه الأزمة أملا فى الخروج من هذه الأنفاق المظلمة. ومقالة اليوم تعالج غياب الجذور الثلاثة للإنسانية.
(1)
فأدنى درجات الإنسانية «فطرة سليمة» تميز بين الخير والشر، وتعرف كيف تختار الخير وتعليه، وكيف تتجنب الشر وتزدريه ((فطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا...ِ)).
والواقع يثبت أن أمما عديدة ــ غير أمتنا ــ قد عرفت الفطرة واتخذت مناهج عديدة تكفل نقاءها فحافظت على حياتها وأقامت حضارتها.
ومازالت أمتنا ــ لشديد الأسف ــ تفتقد «المناهج والآليات» الحافظة لنقاء الفطرة فتعرف الخير وتدعمه، وتفهم الشر وتتجنبه.. فمتى تثوب وتتوب أمتنا إلى رشدها وتعرف طريقها لرعاية الفطرة المميزة للنفس البشرية. ((...فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا))

فكل نفس حتى بغير تعلم تعرف الفروق بين الخير والشر، ألم تر اختيار الطفل ابن ثلاث سنوات حينما يجد أمامه «جمرة ذات لهب» وبجوارها «تمرة حمراء» فيختار التمرة ويترك الجمرة بإلهام من فطرته حيث لا عقل فى تلك السن.
لقد أصابت أنظمة الحكم العسكرى (1952-2011) فطرتنا المصرية أمراضا معدية وخطيرة، أبرزها «العناد غير المبرر» و«الكبرياء المدعاة» و«الرغبة الجامحة فى تحويل كل العلاقات إلى صراع واستئصال».
(2)
والعقل «هبة الله للإنسان»، والميزة التى استحق بها الكرامة والسيادة على سائر المخلوقات. فهو وسيلة التعلم، والدليل الواقى الداعم للفطرة وحافظها. وينمو العقل بالتعليم الراشد والتربية الصحيحة والممارسة الآمنة، وواقع أمتنا يؤكد أن كل مناهج التعليم التى تحاصرنا منذ القرن الـ 19 وحتى الآن سواء هذه المناهج «الموروثة والمشوهة»، أو تلك «المستوردة والمموهة».. كل هذه المناهج وتلك مازالت تقود الناس إلى حتفهم وتهبط بهم إلى «أسفل سافلين» إذ لا يرى الواحد منا إلا ما يريده هو، وكأنه يسكن العالم وحده. تماما كما قال فرعون ((مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ)).
فانعدام العقل سواء بالتكاسل عن الفهم (الجهل) أو بالإصرار على الخطأ (الجهل المركب) هو جنون وتردى إلى الحيوانية التى لا ترى نفسها إلا آكلة الأضعف حتى يأكلها الأقوى.
وكأننا مازلنا أمام الإنسان الأول ساعة أغواه إبليس وزين له الخلود الكاذب فنسى (والنسيان هو غيبة العقل) فتورط فحرم نفسه من «استمرار العلم والتدريب» حيث أخرجه إبليس، فلابد لهذه الأمة من تعليم راشد يحفظ للكون عماره، وللإنسان كرامته وللأمة وحدتها وخيريتها.
(3)
ويأتى المقوم الأخير من مقومات الإنسانية وهو «التدين» أو «اتباع الوحى»، وتاريخ الوحى السماوى من آدم وإلى محمد (صلى الله عليه وسلم) يستهدف كرامة الإنسان وحفظ حياته وصيانة دمائه. وقد بلغت قداسة «دم الإنسان» فى شريعة الله أن كتب فى التوراة والقرآن ((..النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ..))، بل إن الله «جل وعلا» بعد تجريمه وتحريمه لدم الإنسان فتح بابا آخر للتكريم فوعد بجزيل الثواب كل من استطاع منع إراقة الدماء أو ضمد جراح إنسان واحد فأنقذ حياته ((..وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا)).
ألا ترى معى أيها الإنسان أن الله قد جعل الحفاظ على الدماء عملا مقدسا فوصف فاعله بصفة من صفات ذاته فقال ((..وَمَنْ أَحْيَاهَا..)) رغم أن الإحياء هو عمل الله الحى القيوم، فهل هناك شرف أكثر من ذلك إذا استطعت صيانة نفس واحدة وحماية دمها؟!
وحفظ النفس كما نرى هو لب الدين ومحوره، وغير مسموح شرعا ببذل الدماء إلا دفاعا عن الدماء، لكن وللأسف الشديد فإن الفقه فى المؤسسة الكبرى (الأزهر) قد استرخى وتمدد فى سبات عميق فاستسلم لاجتهادات قديمة تناقض مقاصد الشرع وتجافى الواقع، كذلك ــ ولشديد الأسف ــ فإن استسلام الأزهر وتقاعسه أغرى ذوى النوايا الحسنة بالتطوع للحلول محله فحاولوا الاجتهاد دون تأهل له. وها هى الأمة تعيش حالة من الضياع فإن المنهج الراشد ــ داخل الأزهر ــ مهجور، ومفقود خارج أسواره، فاللهم لا عون إلا عونك اهدنا «الصراط المستقيم» وأول طريقه أزهرا قويا مستقلا يحوز ثقة الجميع فيلتزمون به، حيث لا يتجاوزه حاكم ويستخدمه ولا ينصرف عنه محكوم، ولا يتجرأ عليه زاعم أو مغرور، بل يقتنع الجميع باحتضانه وتوثيق واحترامه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق